الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ هَـٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ }

الإشارة في قوله { هذا } للقرآن العظيم.

والبصائر جمع بصيرة والمراد بها البرهان القاطع الذي لا يترك في حق لبساً كقوله تعالى:قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ } [يونس: 108] أي على علم ودليل واضح.

والمعنى أن هذا القرآن براهين قاطعة، وأدلة ساطعة، على أن الله هو المعبود وحده، وأن ما جاء به محمد حق.

وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن القرآن بصائر للناس جاء موضحاً في مواضع أخر من كتاب الله كقوله تعالى في أخريات الأعرافقُلْ إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يِوحَىٰ إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَـٰذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [الأعراف: 203] وقوله تعالى في الأنعامقَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } [الأنعام: 104].

وما تضمنته آية الجاثية من أن القرآن بصائر وهدى ورحمة، ذكر تعالى مثله في سورة القصص عن كتاب موسى الذي هو التوراة في قوله تعالى:وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ ٱلأُولَىٰ بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } [القصص: 43].

وما تضمنته آية الجاثية هذه من كون القرآن هدى ورحمة جاء موضحاً في غير هذا الموضع.

أما كونه هدى فقد ذكرنا الآيات الموضحة قريباً.

وأما كونه رحمة فقد ذكرنا الآيات الموضحة له في الكهف في الكلام على قوله تعالىفَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا } [الكهف: 65]، وفي أولها في الكلام على قوله تعالىٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَاب } [الكهف: 1]. وفي فاطر في الكلام على قوله تعالىمَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا } [فاطر: 2]. وفي الزخرف في الكلام على قوله:أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ } [الزخرف: 32] الآية.

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } أي لأنهم المنتفعون به.

وفي هذه الآية الكريمة سؤال عربي معروف.

وهو أن المبتدأ الذي هو قوله { هذا } اسم إشارة إلى مذكر مفرد، والخبر الذي هو بصائر جمع مكسر مؤنث.

فيقال: كيف يسند الجمع المؤنث المكسر إلى المفرد المذكر؟

والجواب: أن مجموع القرآن كتاب واحد، تصح الإشارة إليه بهذا، وهذا الكتاب الواحد يشتمل على براهين كثيرة، فصح إسناد البصائر إليه لاشتماله عليها كما لا يخفى.