الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقْرَءُواْ كِتَـٰبيَهْ } * { إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ } * { فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } * { فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ } * { قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ } * { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي ٱلأَيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ }

الفاء تفصيل لما يتضمنهتُعرضون } الحاقة 18 إذ العرض عرض للحساب والجزاء فإيتاء الكتاب هو إيقاف كل واحد على صحيفة أعمال. و أمَّا حرف تفصيل وشرطٍ وهو يفيد مفاد مَهْمَا يكن من شيء، والمعنى مهما يكن عَرْض { فأمّا مَن أوتي كتابه بيمينه... فهو في عيشة راضية } ، وشأن الفاء الرَّابطة لجوابها أن يفصل بينها وبين أما بجُزء من جملة الجواب أو بشيء من متعلقات الجواب مهتَم به لأنهم لما التزموا حذف فعل الشرط لاندماجه في مدلول أما كرهوا اتصال فاء الجواب بأداة الشرط ففصلوا بينهما بفاصل تحسيناً لصورة الكلام، فقوله { من أوتي كتابه بيمينه } أصله صدر جملة الجواب، وهو مبتدأ خبره { فيَقول هاؤم اقرأوا كتابيه } كما سيأتي. ودل قوله { فأما من أوتي كتابه بيمينه } على كلام محذوف للإِيجاز تقديره فيؤتى كلُّ أحد كتابَ أعماله، فأما من أوتي كتابه إلخ على طريقة قوله تعالىأنْ اضربْ بعصاك البحرَ فانفلق } الشعراء 63. والباء في قوله { بيمينه } للمصاحبة أو بمعنى في. وإيتاء الكتاب باليمين علامة على أنه إيتاء كرامة وتبشير، والعرب يذكرون التناول باليمين كناية عن الاهتمام بالمأخوذ والاعتزاز به، قال الشمَّاخ
إذا مَا رايةٌ رُفِعَتْ لمجد تلقّاها عَرابة باليمين   
وقال تعالىوأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين في سدر مخضود } الآية الواقعة 27ــ 28 ثم قالوأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال في سموم وحميم } الآية الواقعة 41ــ 42. وجملة { فيقول هَاؤُم اقروا كتابِيْه } جواب شرط أمَّا وهو مغن عن خبر المبتدأ، وهذا القوْل قول ذي بهجة وحُبور يبعثان على إطْلاع الناس على ما في كتاب أعماله من جزاء في مقام الاغتباط والفخار، ففيه كناية عن كونه من حبور ونعيم فإن المعنى الكنائي هو الغرض الأهم من ذكر العَرْض. و { هاؤم } مركب من هاء ممدوداً ومقصوراً والممدود مبني على فتح الهمزة إذا تجرد عن علامات الخطاب ما عدا الموجَّه إلى امرأة فهو بكسر الهمزة دون ياء. وإذا خوطب به أكثر من واحد التُزم مدُّه ليتأتى إلحاق علامة خطاب كالعلامة التي تلحق ضمير المخاطب وضمُّوا همزته ضمةً كضمةِ ضمير الخطاب إذ لحقتْه علامة التثنية والجمع، فيقال هاؤُما، كما يقال أنتما، وهاؤُمُ كما يقال أنتم، وهاؤُنَّ كما يقال أنتن، ومن أهل اللغة من ادعى أن { هاؤم } أصله هَا أُمُّوا مركباً من كلمتين هَا وفعلِ أمر للجماعة من فعل أمَّ، إذا قصد، ثم خفف لكثرة الاستعمال، ولا يصح لأنه لم يسمع هاؤمين في خطاب جماعة النساء، وفيه لغات أخرى واستعمالات في اتصال كاف الخطاب به تقصاها الرضي في شرح «الكافية» وابن مكرم في «لسان العرب». و { هاؤم } بتصاريفه معتبر اسم فعل أمر بمعنى خذ، كما في «الكشاف» وبمعنى تعال، أيضاً كما في «النهاية».

السابقالتالي
2 3 4