الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَ وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَىٰ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي ٱلأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ وَأَقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

المراد بالقيام فى قوله - تعالى - { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلْلَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ... } التهجد بالليل عن طريق الصلاة تقربا إلى الله - تعالى -. وقوله { أَدْنَىٰ } بمعنى أقرب، من الدنو بمعنى القرب، تقول رأيت فلانا أدنى إلى فعل الخير من فلان. أى أقرب، واستعير هنا للأقل، لأن المسافة التى بين الشئ والشئ إذا قربت كانت قليلة، وهو منصوب على الظرفية بالفعل " تقوم ". وقوله { وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ } قرأه بعض القراء السبعة بالجر عطفا على { ثُلُثَيِ ٱلْلَّيْلِ } وقرأه الجمهور بالنصب عطفا على أدنى. والمعنى على قراءة الجمهور إن ربك - أيها الرسول الكريم - يعلم أنك تقوم من الليل، مدة قد تصل تارة إلى ثلثى الليل، وقد تصل تارة أخرى إلى نصفه أو إلى ثلثه.. على حسب ما يتيسر لك، وعلى حسب أحوال الليل فى الطول والقصر. والمعنى على قراءة غير الجمهور إن ربك يعلم أنك تقوم تارة أقل من ثلثى الليل وتارة أقل من نصفه، وتارة أقل من ثلثه.. وذلك لأنك لم تستطع ضبط المقدار الذى تقومه من الليل، ضبطا دقيقا، ولأن النوم تارة يزيد وقته وتارة ينقص، والله - تعالى - قد رفع عنك المؤاخذة بسبب عدم تعمدك القيام أقل من ثلث الليل.. فالآية الكريمة المقصود منها بيان رحمة الله - تعالى - بنبيه صلى الله عليه وسلم حيث قبل منه قيامه بالليل متهجدا، حتى ولو كان هذا القيام أقل من ثلث الليل.. وافتتاح الآية الكريمة بقوله - سبحانه - { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ... } يشعر بالثناء عليه صلى الله عليه وسلم. وبالتلطف معه فى الخطاب، حيث إنه صلى الله عليه وسلم كان مواظبا على قيام الليل. على قدر استطاعته، بدون تقصير أو فتور. وفى الحديث الشريف أنه صلى الله عليه وسلم قام الليل حتى تورمت قدماه. والتعبير بقوله - تعالى - { أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلْلَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ } يدل على أن قيامه صلى الله عليه وسلم كان متفاوتا فى طوله وقصره، على حسب ما تيسر له صلى الله عليه وسلم، وعلى حسب طول الليل وقصره. وقوله - سبحانه - { وَطَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَ } معطوف على الضمير المستتر فى قوله { تقوم } أى أنت أيها الرسول الكريم - تقوم أدنى من ثلثى الليل ونصفه وثلثه، وتقوم طائفة من أصحابك للصلاة معك، أما بقية أصحابك فقد يقومون للتهجد فى منازلهم. روى البخارى فى صحيحه عن عائشة، " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ذات ليلة فى المسجد، فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا فى الليلة الثالثة أو الرابعة، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح قال " قد رأيت الذى صنعتم، ولم يمنعنى من الخروج إليكم، إلا أنى خشيت أن تفرض عليكم " ".

السابقالتالي
2 3 4