الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي ٱلأَمْوَٰلِ وَٱلأَوْلَٰدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَٰهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَٰماً وَفِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَٰنٌ وَمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَٰعُ ٱلْغُرُورِ } * { سَابِقُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } * { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } * { لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } * { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ }

قوله { ٱعْلَمُواْ أَنَّمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ } لما ذكر سبحانه حال الفريق الثاني، وما وقع منهم من الكفر والتكذيب، وذلك بسبب ميلهم إلى الدنيا وتأثيرها، بيّن لهم حقارتها وأنها أحقر من أن تؤثر على الدار الآخرة، واللعب هو الباطل، واللهو كل شيء يتلهى به ثم يذهب. قال قتادة لعب ولهو أكل وشرب. قال مجاهد كلّ لعب لهو، وقيل اللعب ما رغب في الدنيا، واللهو ما ألهى عن الآخرة وشغل عنها، وقيل اللعب الاقتناء، واللهو النساء، وقد تقدّم تحقيق هذا في سورة الأنعام، والزينة التزين بمتاع الدنيا من دون عمل للآخرة { وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ } قرأ الجمهور بتنوين { تفاخر } والظرف صفة له، أو معمول له، وقرأ السلمي بالإضافة، أي يفتخر به بعضكم على بعض، وقيل يتفاخرون بالخلقة والقوّة، وقيل بالأنساب والأحساب، كما كانت عليه العرب { وَتَكَاثُرٌ فِى ٱلأمْوٰلِ وَٱلأوْلْـٰدِ } أي يتكاثرون بأموالهم وأولادهم، ويتطاولون بذلك على الفقراء. ثم بيّن سبحانه لهذه الحياة شبهاً، وضرب لها مثلاً فقال { كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ نَبَاتُهُ } أي كمثل مطر أعجب الزراع نباته، والمراد بالكفار هنا الزراع لأنهم يكفرون البذر، أي يغطونه بالتراب، ومعنى نَبَاتُهُ النبات الحاصل به { ثُمَّ يَهِـيجُ } أي يجفّ بعد خضرته وييبس { فَـتَرَاهُ مُصْفَـرّاً } أي متغيراً عما كان عليه من الخضرة والرّونق إلى لون الصفرة والذبول { ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً } أي فتاتاً هشيماً متكسراً متحطماً بعد يبسه، وقد تقدّم تفسير هذا المثل في سورة يونس والكهف، والمعنى أن الحياة الدنيا كالزرع يعجب الناظرين إليه، لخضرته وكثرة نضارته. ثم لا يلبث أن يصير هشيماً تبناً كأن لم يكن. وقرىء مصفارّاً والكاف في محل نصب على الحال، أو في محل رفع على أنها خبر بعد خبر، أو خبر مبتدأ محذوف. ثم لما ذكر سبحانه حقارة الدنيا، وسرعة زوالها، ذكر ما أعدّه للعصاة في الدار الآخرة فقال { وَفِى ٱلأخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ } وأتبعه بما أعدّه لأهل الطاعة، فقال { وَمَغْفِرَةٌ مّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوٰنٌ } ، والتنكير فيهما للتعظيم. قال قتادة عذاب شديد لأعداء الله، ومغفرة من الله ورضوان لأوليائه وأهل طاعته. قال الفراء التقدير في الآية إما عذاب شديد وإما مغفرة، قلا يوقف على شديد. ثم ذكر سبحانه بعد الترهيب والترغيب حقارة الدنيا، فقال { وَما ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَـٰعُ ٱلْغُرُورِ } لمن اغترّ بها ولم يعمل لآخرته. قال سعيد بن جبير متاع الغرور لمن لم يشتغل بطلب الآخرة، ومن اشتغل بطلبها فله متاع بلاغ إلى ما هو خير منه. وهذه الجملة مقرّرة للمثل المتقدّم ومؤكدة له. ثم ندب عباده إلى المسابقة إلى ما يوجب المغفرة من التوبة والعمل الصالح، فإن ذلك سبب إلى الجنة، فقال { سَابِقُواْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مّن رَّبّكُمْ } أي سارعوا مسارعة السابقين بالأعمال الصالحة التي توجب المغفرة لكم من ربكم، وتوبوا مما وقع منكم من المعاصي، وقيل المراد بالآية التكبيرة الأولى مع الإمام، قاله مكحول، وقيل المراد الصفّ الأوّل، ولا وجه لتخصيص ما في الآية بمثل هذا، بل هو من جملة ما تصدّق عليه صدقاً شمولياً أو بدلياً { وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَاء وَٱلأرْضِ } أي كعرضهما، وإذا كان هذا قدر عرضها، فما ظنك بطولها.

السابقالتالي
2 3 4