الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِٱلأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنَّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }

قوله تعالى { وَٱذْكُرْ.. } [الأحقاف: 21] أي: اذكر يا محمد، كأن هذا الذكر جاء لتذكير رسول الله بمواقف إخوانه من الرسل في موكب الإيمان، يعني: انظر لمَنْ سبقك منهم ولما تحمّل في سبيل دعوته، فأنت لستَ بدعاً في الرسل. نعم تحمَّلوا المشقة والأذى، لكن صدق اللهُ وعده بنُصْرتهم في النهاية، لذلك تلاحظ على أسلوب القرآن تعدُّد القصة الواحدة بتعدُّد الأحداث التي تمرُّ بالرسول، يقول تعالى:وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ.. } [هود: 120]. فكلّما حدث لرسول الله أمر مع قومه يُذِّكره الله بموقف من مواقف الرسل السابقين ليُطمئنه وليُثبِّت فؤاده على الحق، وإذا كان كل رسول يتعرض للأذى على قدر مهمته فلا شكَّ أنك ستكون أشدَّ الرسل إيذاء لأنك الرسول الخاتم. وقوله: { أَخَا عَادٍ.. } [الأحقاف: 21] المراد سيدنا هودوَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً.. } [الأعراف: 65] كلمة أخ تُجمع على إخوة وإخوان، إخوة تعني أخوة النسب، كما جاء في قوله تعالى:وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ.. } [يوسف: 58]. إما إخوان فيُراد بها أخوة المنهج والدين والقيم كما في قوله تعالى:إِخْوَٰناً عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِينَ } [الحجر: 47] فقوله: { أَخَا عَادٍ.. } [الأحقاف: 21] أخاهم في النسب، وعاد هي القبيلة أو الأمة التي أُرِسلَ فيها سيدنا هود عليه السلام. والإضافة في { أَخَا عَادٍ.. } [الأحقاف: 21] تحنينٌ لهم وإثارة لمشاعر الرحمة والدم والواحد، فالذي جاءهم ليس غريباً عنهم، إنما هو أخ لهم، وإنْ جاءهم منهج مخالف لما هُمْ عليه وأراد أنْ يُخرجهم عمَّا ألِفُوه من الضلال والفساد، والأخ لا يغشّ أخاه سواء أكانتْ أخوتهم له للنسب، أم للدين والمنهج والقيم. إذن: عليهم أنْ يستقبلوا دعوته بالحنان الذي تقتضيه الأخوة. { أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِٱلأَحْقَافِ.. } [الأحقاف: 21] عاد كانت جماعة من العرب البائدة، وكانت تسكن الأحقاف في جنوب شبه الجزيرة العربية، والأحقاف جمع حقف: وهو الرمل المستطيل الذي يعلو وينخفض ويتحرك يميناً وشمالاً، وهنا وهنا. والرمل لنعومته تُحركه الرياح والأعاصير بسهولة، حتى إن الهبَّة الواحدة من الإعصار في هذا المكان كانت تطمر قافلة وتغطيها في هذا الوادي، لذلك لم تظهر آثار قوم عاد حتى الآن لأنها مطمورةٌ على مسافات بعيدة تحت الرمال. كذلك الآثار القديمة في كل مكان لا توجد إلا تحت الأرض في حفريات، لأن عوامل التعرية تطمرها. لذلك ترى الواحد منا إذا سافر مثلاً وترك بيته لعدة شهور مثلاً يعود فيجده مُغطى بطبقة من التراب، مع أنه مغلق بإحكام، فما بالك في الخلاء مع هبوب الرياح والأعاصير. وفي سورة الفجر، الحق سبحانه يعطينا طرفاً من تاريخ هذه الأمم وما حَلَّ بها من العذاب:

السابقالتالي
2