الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }

قوله تعالى: { لَوْ أَنزَلْنَا } يدل على أنه لم ينزله، وأنه ذكر على سبيل المثال ليتفكر الناس في أمره كما قال تعالى:وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ ٱلأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ ٱلْمَوْتَىٰ } [الرعد: 31] الآية.

قال الشيخ رحمة الله تعالى عليه، عندها: جواب لو محذوف.

قال بعض العلماء: تقديره لكان هذا القرآن إلخ اهـ.

وقال ابن كثير: يقول تعالى: معظماً لأمر القرآن ومبيناً علو قدره، وأنه ينبغي أن تخشع له القلوب وتتصدع عند سماعه لما فيه من الوعد الحق والوعيد الأكيد، { لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ } الآية.

فإن كان الجبل في غلظته وقساوته لو فهم هذا القرآن فتدبر ما فيه لخشع وتصدع من خوف الله عز وجل.

فكيف يليق بكم أيها البشر ألا تلين قلوبكم وتخشع وتتصدع من خشية الله، وقد فهمتم عن الله أمره وقد تدبرتم كتابه، ولهذا قال تعالى: { وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }.

وقد وجد لبعض الناس شيئاً من ذلك عن سماع آيات من القرآن، من ذلك ما رواه ابن كثير في سورة الطور عن عمر رضي الله عنه قال: خرج عمر رضي الله عنه يعس بالمدينة ذات ليلة فمر بدار رجل من المسلمين فوافقه قائماً يصلي فوقف يستمع قراءته فقرأ والطور حتى بلغ إن عذاب ربك لواقع ماله من دافع. قال: قسم ورب الكعبة حق، فنزل عن حماره واستند إلى حائط فمكث ملياً ثم رجع إلى منزله فمكث شهراً يعوده الناس لا يدرون ما مرضه.

وذكر القرطبي: قال جبير بن مطعم قدمت المدينة لأسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر فوافيته يقرأ في صلاة المغرب والطور إلى قوله تعالى:إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ } [الطور: 7-8]، فكأنما صدع قلبي فأسلمت خوفاً من نزول العذاب، وما كنت أظن أن أقوم من مقامي حتى يقع بي العذاب. وذكر في خبر مالك بن دينار أنه سمعها فجعل يضطرب حتى غشي عليه اهـ.

وقد نقل السيوطي في الإتقان خبر مالك بن دينار بتمامه في فصل إعجاز القرآن.

وقال: قد مات جماعة عند سماع آيات منه أفردوا بالتصنيف، وقد ينشأ هنا سؤال كيف يكون هذا تأثير القرآن لو أنزل على الجبال ولم تتأثر به القلوب، وقد أجاب القرآن عن ذلك في قوله تعالى:ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ فَهِيَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً } [البقرة: 74]، وكذلك أصموا آذانهم عن سماعه وغلفوا قلوبهم بالكفر عن فهمه، وأوصدوها بأقفالها فقالوا: قلوبنا غلف، وكذلك قوله تعالى:وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيِاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً }

السابقالتالي
2 3 4