الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ }

" هَلْ " لفظه استفهامٌ والمراد به النفي؛ كقوله: [الطويل]
1027 - وَهَلْ أَنَا إِلاَّ مِنْ غَزِيَّةَ إنْ غَوَتْ   غَوَيْتُ، وَإِنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشُدِ
أي: ما ينظرون، وما أنا، ولذلك وقع بعدها " إلاَّ " كما تقع بعد " ما ". و " هَلْ " تأتي على أربعة أوجهٍ:

الأول: بمعنى " مَا " كهذه الآية، وقوله:هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ } [الأعراف: 53].

الثاني: بمعنى " قَدْ " كقوله تعالى:هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ } [الإنسان: 1] أي: قد أتى، وقوله:وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ ٱلْخَصْمِ } [ص: 21] وهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْغَاشِيَةِ } [الغاشية: 1]، أي: قد أتاك.

والثالث: بمعنى " أَلاَ " قال تعالى:هَلْ أَدُلُّكُمْ } [طه: 40] أي: أَلاَ أدلكم، ومثلههَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ ٱلشَّيَٰطِينُ } [الشعراء: 22] أي: ألا أنبئكم.

الرابع: بمعنى الاستفهام، قال تعالى:هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ } [الروم: 40].

و " يَنْظُرون " هنا بمعنى ينتظرون، وهو معدًّى بنفسه، قال امرؤ القيس: [الطويل]
1028 - فَإِنَّكُمَا إِنْ تَنْظُرَانِيَ سَاعَةً   مِنَ الدَّهْرِ يَنْفَعْنِي لَدَى أُمِّ جُنْدَبِ
وليس المراد هنا بالنظر تردد العين؛ لأنَّ المعنى ليس عليه؛ واستدلَّ بعضهم على ذلك بأن النظر بمعنى البصر يتعدَّى بـ " إلى " ، ويضاف إلى الوجه، وفي الآية الكريمة متعدٍّ بنفسه، وليس مضافاً إلى الوجه، ويعني بإضافته إلى الوجه قوله تعالى:وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [القيامة:22، 23] فيكون بمعنى الانتظار، وهذا ليس بشيء، أما قوله: إن الذي بمعنى البصر يتعدَّى بـ " إلى " فمسلم، وقوله: " وهو هنا متعدٍّ بنفسه " ممنوعٌ، إذ يحتمل أن يكون حرف الجر وهو " إلَى " محذوفاً؛ لأنه يطَّرد حذفه مع " أَنْ " و " أَنَّ " ، إذا لم يكن لبسٌ، وأمَّا قوله: " يُضَافُ إلى الوَجْهِ " ، فممنوعٌ أيضاً، إذ قد جاء مضافاً للذات؛ قال تعالى:أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ } [الأعراف: 143]أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى ٱلإِبْلِ } [الغاشية: 17]. والضمير في " يَنْظُرُونَ " عائدٌ على المخاطبين بقوله: " زَلَلْتُمْ " فهو التفاتٌ.

قوله: { إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ } هذا مفعول " يَنْظُرُونَ " وهو استثناءٌ مفرَّغٌ، أي: ما ينظرون إلا إتيان الله.

والمعنى ما ينظرون، يعني التاركون الدخُّول في السِّلم.

قوله تعالى: " في ظُلَلٍ " فيه أربعة أوجهٍ:

أحدها: أن يتعلَّق بيأتيهم، والمعنى: يأتيهم أمره أو قدرته أو عقابه أو نحو ذلك، أو يكون كنايةً عن الانتقام، إذ الإتيان يمتنع إسناده إلى الله تعالى حقيقةً.

والثاني: أن يتعلَّق بمحذوف على أنه حال، وفي صاحبها وجهان:

أحدهما: هو مفعول يأتيهم، أي: في حال كونهم مستقرين في ظلل، وهذا حقيقة.

والثاني: أنه الله تعالى بالمجاز المتقدِّم، أي: أمر الله في حال كونه مستقراً في ظلل.

السابقالتالي
2 3 4 5 6