الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ سَلْ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

قوله تعالى: { سَلْ }: قرأ الجمهور: " سَلْ " وهي تحتمل وجهين، أحدُهما: أَن تكونَ مِنْ لغة: سال يَسال مثل: خاف يخاف، وهل هذه الألفُ مُبْدَلَةٌ من همزة أو واو أو ياء؟ خلافٌ تقدَّم في قوله:فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ } فحينذٍ يكونُ الأمر منها: " سَلْ " مثل " خَفْ " ، لَمَّا سكنت اللام حَمْلاً للأمر على المجزوم التقى ساكنان فَحُذِفت العين لذلك، فوزنُه على هذا فَلْ. والثاني: أن تكون من سأل بالهمز، والأصل: اسْأَلْ ثم أُلقيت حركة الهمزة على السين تخفيفاً، واعتدَدْنا بحركةِ النقلِ فاستَغْنينا عَنْ همزة الوصلِ فَحَذَفْنَاها ووزنُه أيضاً: فُلْ بحذفِ العين، وإن كان المأخَذُ مختلفاً. وروى عباس عن أبي عمرو: " اسأَلْ " على الأصْلِ من غير نَقْلٍ. وقرأ قومُ: " اسَلْ " بالنقلِ وهمزةِ الوصلِ، كأنهم لم يَعْتَدُّوا بالحركةِ المنقولةِ كقولِهم: " الحْمَر " بالهمز. وسيأتي لهذه المسائل مزيدُ بيانٍ في مواضِعها كما ستقفُ عليه إنْ شاء الله. و " بنى " مفعولٌ أولُ عند الجمهور.

وقوله: { كَمْ آتَيْنَاهُم } في " كَمْ " وجهانِ، أحدُهما أنَّها في محل نصبٍ. واختُلف في ذلك فقيل: نصبُها على أنها مفعولٌ ثانٍ لآتيناهم على مذهبِ الجمهور، وأولُ على مذهبِ السهيلي، كما تقدَّم تقريرُه. وقيل: يجوزُ أَن يَنْتَصِبَ بفعل مقدَّر يفسِّرهُ الفعلُ بعدَها تقديرُه: كم آتينا آتيناهم، وإنما قدَّرْنَا ناصبَها بعدَها لأنَّ الاستفهامَ له صدُر الكلامِ ولا يَعْمَلُ فيه ما قبلَه، قاله ابنُ عطية، يعني أنه عنده من بابِ الاشتغالِ. قال الشيخ: " وهذا غيرُ جائز إنْ كان " من آية " تمييزاً، لأن الفعلَ المفسِّر لم يعملْ في ضمير " كم " ولا في سببّها، وإذا لم يكن كذلك امتنع أن يكون من باب الاشتغال، إذ من شرطِ الاشتغال أن يعملَ المفسِّرُ في ضميرِ الأولِ أو في سببِّه. ونظيرُ ما أجازه أن تقولَ: " زيداً ضربْتُ " ويكونُ من بابِ الاشتغال،وهذا ما لا يُجيزه أحدٌ. فإنْ قُلْنَا إنَّ مميِّزها محذوفٌ، وأُطْلِقَتْ " كم " على القوم جاز ذلك لأنَّ في جملةِ الاشتغالِ ضميرَ الأول، لأنَّ التقديرَ: " كم من قومٍ آتيناهُمْ " قلت: هذا الذي قاله الشيخُ مِنْ كونِه لا يتمشَّى على كونِ " من آية " تمييزاً قد صَرَّح به ابنُ عطية فإنه قال: " وقولُه " مِن آية " هو على التقديرِ الأولِ مفعولٌ ثانٍ لآتيناهم، وعلى الثاني في موضعِ التمييز " يعني بالأول نصبَها على الاشتغالِ، وبالثاني نصبَها بما بعدَها.

والثاني من وَجْهَي كم: أن تكون في محلِّ رفعٍ بالابتداءِ والجملةُ بعدَها في محلِّ رفعٍ خبراً لها والعائدُ محذوفٌ تقديرُه: كم آتيناهموها أو أتيناهم إياها، أجاز ذلك ابنُ عطية وأبو البقاء، واستَضْعَفَه الشيخ من حيث إنَّ حَذْفَ عائدِ المنصوبِ لا يجوزُ إلاَّ في ضرورةٍ كقوله.

السابقالتالي
2 3