الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ }

فيه خمس مسائل: الأولى: قوله تعالى:وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ } [الحجر: 15] قراءة العامة «الرياح» بالجمع. وقرأ حمزة بالتوحيد لأن معنى الريح الجمع أيضاً وإن كان لفظها لفظ الواحد. كما يقال: جاءت الريح من كل جانب. كما يقال: أرضٌ سبَاسِب وثوبٌ أخْلاق. وكذلك تفعل العرب في كل شيء اتسع. وأما وجه قراءة العامة فلأن الله تعالى نعتها بـ«ـلواقح» وهي جمع. ومعنى لواقح حوامل لأنها تحمل الماء والتراب والسَّحاب والخير والنفع. قال الأزهري: وجعل الريح لاقحاً لأنها تحمل السحاب أي تُقِلّه وتصرّفه ثم تَمْرِيه فتستَدرّه، أي تنزله قال الله تعالى:حَتَّىٰ إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً } [الأعراف: 57] أي حملت. وناقة لاقح ونُوق لواقح إذا حملت الأجنة في بطونها. وقيل: لواقح بمعنى مُلْقِحة وهو الأصل، ولكنها لا تُلقح إلا وهي في نفسها لاقح، كأن الرياح لَقِحت بخير. وقيل: ذوات لَقْح، وكل ذلك صحيح أي منها ما يُلقح الشجر كقولهم: عيشة راضية أي فيها رضاً، وليل نائم أي فيه نوم. ومنها ما تأتي بالسحاب. يقال: لَقِحت الناقة بالكسر لَقَحا ولَقاحا بالفتح فهي لاقح. وألقحها الفحل أي ألقى إليها الماء فحملته فالرياح كالفحل للسحاب. قال الجوهري: ورياح لواقح ولا يقال ملاَقح، وهو من النوادر. وحكى المهدوي عن أبي عبيدة: لواقح بمعنى ملاقح، ذهب إلى أنه جمع مُلْقِحة ومُلْقِح، ثم حذفت زوائده. وقيل: هو جمع لاقحة ولاقح، على معنى ذات اللّقاح على النسب. ويجوز أن يكون معنى لاقح حاملاً. والعرب تقول للجنوب: لاقح وحامل، وللشّمال حائل وعقيم. وقال عبيد بن عُمير: يرسل الله المبشِّرة فتقم الأرض قَمّا، ثم يرسل المثيرة فتثير السحاب، ثم يرسل المؤلفة فتؤلفه، ثم يبعث اللواقح فتلقح الشجر. وقيل: الريح الملاقح التي تحمل الندى فتمجّه في السحاب، فإذا اجتمع فيه صار مطراً. وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " الريح الجنوب من الجنة وهي الريح اللواقح التي ذكرها الله في كتابه وفيها منافع للناس ". وروي عنه عليه السلام أنه قال: " ما هبّت جنوب إلا أنبع الله بها عينا غَدقة ". وقال أبو بكر بن عياش: لا تقطر قطرة من السحاب إلا بعد أن تعمل الرياح الأربع فيها فالصَّبا تهّيجه، والدَّبُور تُلقحه، والجنوب تُدِرّه، والشمال تفرّقه. الثانية: روى ابن وهب وابن القاسم وأشهب وابن عبد الحكم عن مالك ـ واللفظ لأشهب ـ قال مالك: قال الله تعالى: «وأرسلنا الرياح لواقِح» فلقاح القمح عندي أن يحبب ويُسَنْبِل، ولا أدري ما ييبَس في أكمامه، ولكن يُحبّب حتى يكون لو يبس حينئذ لم يكن فساداً لا خير فيه. ولقاح الشجر كلها أن تثمر ثم يسقط منها ما يسقط ويثبت ما يثبت، وليس ذلك بأن تورّد.

السابقالتالي
2 3