الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِٱلْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِراً وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِّنْهُمْ أَحَداً }

{ سَيَقُولُونَ } أي: الخائضون في قصتهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب الذين لا علم لهم بالحقيقة { ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ } أي: بعض آخر منهم { خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِٱلْغَيْبِ } أي: رمياً وتلفظاً بالذي غاب عنهم. يعني ظناً خالياً عن اليقين. قال ابن كثير: كالذي يرمي إلى مكان لا يعرفه، فإنه لا يكاد يصيب، وإن أصاب فبلا قصد { وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ } حكاية لقول فريق آخر كان يرى عدتهم هذه { قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ } أي: ممن أطلعه الله عليه { فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِراً } أي: لا تجادل أهل الكتاب في شأن أصحاب الكهف، إلا جدالاً ظاهراً ليناً غير متعمق فيه. وذلك على قدر ما تعرض له التنزيل الكريم من وصفهم بالرجم بالغيب وعدم العلم على الوجه الإجمالي، وتفويض العلم إلى الله سبحانه، من غير تجهيل لهم، ولا تعنيف بهم، في الرد عليهم كما قال:وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [النحل: 125] فإن الأمر في معرفة ذلك لا يترتب عليه كبير فائدة. قيل: المماراة: المجادلة. وقيل بالفرق. فالمجادلة: المحاجّة مطلقاً. والمماراة: المحاجة فيما فيه مرية أي: تردد، لأنها من (مريت الناقة) إذا مسحت ضرعها للحليب { وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِّنْهُمْ أَحَداً } أي لا تسأل أحداً منهم عن نبئهم؛ لأن السؤال إما للاسترشاد، أو للتعنت والمحاورة. ولا علم لهم بذلك إلا ما يقولونه رجما بالغيب. من غير استناد إلى كلام معصوم. والتعنت للرد على الخصم وتزييف ما عنده ينافي مكارم الأخلاق. والمعنى: جاءك الحق الذي لا مرية فيه، فهو المقدم الحاكم على ما تقدم من الكتب والأقوال.

تنبيهات

الأول: ذهب أكثر المفسرين إلى أن قول الخائضين الأخير، وهو أنهم سبعة وثامنهم كلبهم، هو الحق؛ لأنه لم يوصف بكونه رجما بالغيب كما وصف الأولان. ولتخصيصه بالواو في قوله: { وَثَامِنُهُمْ } وهي الواو الداخلة على الجملة الواقعة صفة للنكرة، لإفادة تأكيد لصوق الصفة بالموصوف. والدلالة على أن اتصافه بها أمر ثابت مستقر. وأنه لا عدد وراءه كما قال ابن عباس: حسن وقعت الواو انقطعت العدّة.

وأقوال: لا يخفى ضعف التمسك بهذين الوجهين لتقوية القول الأخير. فإن عدم وصفه بالرجم بالغيب إنما هو لدلالة ما قبله عليه. وفي إعادته إخلال بالبلاغة. ومسألة الواو أوهى من بيت العنكبوت. فإن مثل هذا النزاع لا يكتفى بحسمه بمثل هذا الإيماء الدقيق القريب من الألغاز. كما لا يخفى على من تتبع مواقع حسم الشبه في الكتاب والسنة وكلام البلغاء. لا سيما والواو من المحكى لا من الحكاية، فيدل على ثبوته عند القائل لا عند الله، فلا يكون من الإيماء في شيء.

السابقالتالي
2 3