{ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ } أي لا تحملٌ نفسٌ آثمةٌ { وِزْرَ أُخْرَىٰ } إثمَ نفسٍ أُخرى بل إنَّما تحملُ كلُّ منهما وزرَها. وأمَّا ما في قولِه تعالى:{ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } [سورة العنكبوت: الآية 13] من حملِ المضلِّين أثقالاً غيرَ أثقالِهم فهو حملُ أثقالِ إضلالِهم مع أثقالِ ضلالِهم وكلاهما أوزارُهم ليس فيها من أوزارِ غيرِهم شيء { وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ } أي نفسٌ أثقلَها الأوزارُ { إِلَىٰ حِمْلِهَا } لحملِ بعضِ أوزارِها { لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَىْء } لم تُجبَ بحملِ شيءٍ منه { وَلَوْ كَانَ } أي المدعُو المفهوم من الدَّعوةِ { ذَا قُرْبَىٰ } ذا قرابةٍ من الدَّاعي. وقُرىء ذُو قُربى. وهذا نفيٌ للحملِ اختياراً والأوَّلُ نفيٌ له إجباراً { إِنَّمَا تُنذِرُ } استئنافٌ مسوق لبـيان من يتَّعظُ بما ذُكر أي إنَّما تنذر بهذه الإنذاراتِ { ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ } أي يخشَونَه تعالى غائبـينَ عن عذابِه أو عن النَّاسِ في خلواتِهم أو يخشَون عذابَه وهو غائبٌ عنهم { وَأَقَامُوا ٱلصَّلاَةَ } أي راعَوها كما ينبغي وجعلوها مَنَاراً منصوباً وعَلَماً مرفُوعاً أي إنما ينفعُ إنذارُك وتحذيرُك هؤلاءِ من قومِك دُون مَن عداهُم من أهل التَّمرد والعنادِ { وَمَن تَزَكَّىٰ } أي تطهرَ من أوضار الأوزارِ والمعاصِي بالتَّاثرِ من هذهِ الإنذاراتِ { فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ } لاقتصارِ نفعِه عليها كما أنَّ مَن تدنَّس بها لا يتدنَّس إلا عليها. وقُرىء من ازكَّى فإنَّما يزكَّى، وهو اعتراضٌ مقررٌ لخشيتهم وإقامِتهم الصَّلاةَ لأنَّها من معظمِ مبادِي التزكِّي { وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ } لا إلى أحدٍ غيرهِ استقلالاً أو اشتراكاً فيجازيهم على تزكِّيهم أحسنَ الجزاء. { وَمَا يَسْتَوِى ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ } أي الكافرُ والمؤمنُ { وَلاَ ٱلظُّلُمَاتُ وَلاَ ٱلنُّورُ } أي ولا الباطلُ ولا الحقُّ وجمع الظلمات مع أفرادِ النُّورِ لتعدُّدِ فنونِ الباطلِ واتِّحاد الحقِّ { وَلاَ ٱلظّلُّ وَلاَ ٱلْحَرُورُ } أي ولا الثَّوابُ ولا العقابُ. وإدخالُ لا على المتقابلينِ لتذكيرِ نفيِ الاستواءِ وتوسيطُها بـينهُما للتَّأكيدِ. والحرَرورُ فَعولٌ من الحرِّ غلب على السَّمومِ وقيل: السَّمومُ ما يهبُّ نهاراً والحَرورُ ما يهبُّ ليلاً { وَمَا يَسْتَوِى ٱلأَحْيَاء وَلاَ ٱلأَمْوَاتُ } تمثيلٌ آخرُ للمؤمنينَ والكافرينَ أبلغُ من الأوَّلِ ولذلك كُرِّر الفعلُ وأُوثر صيغةُ الجمعِ في الطَّرفينِ تحقيقاً للتَّباينَ بـين أفرادِ الفريقينِ وقيل: تمثيلٌ للعُلماءِ والجَهَلةِ { إِنَّ ٱللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء } أنْ يُسمَعه ويوفِّقه لفهم آياتِه والاتَّعاظِ بعظاتِه { وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِى ٱلْقُبُورِ } ترشيحٌ لتمثيل المصرِّينَ على الكُفرِ بالأمواتِ وإشباعٌ في إقناطِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ من إيمانِهم.