الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ }

{ ولما بلغ } يوسف { اشده } قال فى القاموس اى قوته وهو ما بين ثمانى عشرة سنة الى ثلاثين. واحد جاء على بناء الجمع كأنك ولا نظير لهما او جمع لا واحد له من لفظه. وقال اهل التفسير اى منتهى اشتداد جسمه وقوته واستحكام عقله وتمييزه وهو سن الوقوف ما بين الثلاثين الى الاربعين. والعقلاء ضبطوا مراتب اعمار الناس فى اربع. الاولى سن النشور والنماء ونهايته الى ثلاثين سنة. والثانية سن الوقوف وهو سن الشباب ونهايته الى ان تتم اربعون سنة من عمره. والثالثة سن الكهولة وهو سن الانحطاط اليسير الخفى وتمامه الى ستين سنة. والرابعة سن الشيخوخة وهو سن الانحطاط العظيم الظاهر وتمامه عند الاطباء الى مائة وعشرين سنة. والاشد غاية الوصول الى الفطرة الاولى بالتجرد عن غواشى الخلقة التى يسميها الصوفية بمقام الفتوة. قال فى التعريفات الفتوة فى اللغة والسخاء والكرم وفى اصطلاح اهل الحقيقة هى ان تؤثر الخلق على نفسك بالدنيا والآخرة { آتيناه حكما } كمالا فى العلم والعمل استعد به الحكم بين الناس بالحق ورياستهم. قال القشيرى من جملة الحكم الذى آتاه الله نفوذ حكمه على نفسه حتى غلب شهوته فامتنع عما راودته زليخا عن نفسه ومن لا حكم له عل نفسه لم ينفذ حكمه على غيره. قال الامام نقلا عن الحسن كان نبيا من الوقت الذى القى فيه فى غيابة الجب لقوله تعالى { ولما بلغ اشده آتيناه } واذا لم يقل ههنا ولما بلغ اشده واستوى كما قال فى قصة موسى لان موسى اوحى اليه عند منتهى الاشد الاستواء وهو اربعون سن واوحى الى يوسف عند اوله وهو ثمان عشرة سنة { وعلما } قالوا المراد من الحكم الحمكة العملية ومن العلم الحكمة النظرية وذلك لان اصحاب الرياضات والمجاهدات يصلون اولا الى الحكمة العملية ثم يترقون منها الى الحكمة النظرية. واما اصحاب الافكار والانظار العقلية فانهم يصلون اولا الى الحكمة النظرية ثم ينزلون منها الى الحكمة العملية وطريقة يوسف عليه السلام هى الاول لانه صبر على المكاره والبلاء والمحن ففتح الله له ابواب المكاشفات قال الحافظ
مكن زغصه شكايت طكه در طريق طلب براحتى نرسيد آنكه زحمتى نكشيد   
وقال
جه ورها كه كشيدند بلبلان ازدى ببوى آنكه دكر نوبهار باز آمد   
والحاصل ان طريقة يوسف طريقة السالك المجذوب لا طريقة المجذوب السالك والاولى هى سنة الله الغالبة فى انبيائه واوليائه ففى قوله { حكما وعلما } اشارة الى استكمال النفس فى قوتها العملية والنظرية. وعن الحسن من احسن عبادة ربه فى شبيبته آتاه الله الحكمة فى اكتهاله وفيه اشارة الى ان المطيع تفتح له ينابيع الحكمة وتنبيه على ان العطية الالهية تصل الى العبد وان طال العهد اذا جاء اوانها فلطالب الحق ان ينتظر احسان الله تعالى ولا ييأس منه وفى الحديث

السابقالتالي
2