الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

{ وَقَالَ ٱلشَّيْطَـٰنُ } الذي أضل كلا الفريقين واستتبعهما عندما عتباه وقرعاه على نمط ما قاله الأتباع للرؤساء { لَمَّا قُضِىَ ٱلأَمْرُ } أي/ أحكم وفرغ منه وهو الحساب ودخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار خطيباً في محفل الأشقياء من الثقلين. أخرج ابن جرير وغيره عن الحسن قال: إذا كان يوم القيامة قام إبليس خطيباً على منبر من نار فقال: { إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقّ } إلى آخره، وعن مقاتل أن الكفار يجتمعون عليه في النار باللائمة فيرقى منبراً من نار فيقول ذلك، وفي بعض الآثار ما هو ظاهر في أن هذا في الموقف، فقد أخرج الطبراني وابن المبارك في " الزهد " وابن جرير وابن عساكر لكن بسند ضعيف من حديث عقبة بن عامر يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أن الكفار حين يروا شفاعة النبـي صلى الله عليه وسلم للمؤمنين يأتون إبليس فيقولون له قد وجد المؤمنون من يشفع لهم فقم أنت فاشفع لنا فإنك أنت أضللتنا فيقوم فيثور من مجلسه أنتن ريح شمها أحد فيقول ما قص الله تعالى "

ومعنى { وَعْدَ ٱلْحَقِّ } وعداً من حقه أن ينجز أو وعداً نجز وهو الوعد بالبعث والجزاء، وقيل: أراد بالحق ما هو صفته تعالى أي أن الله تعالى وعدكم وعده الذي لا يخلف، والظاهر أنه صفة الوعد، وفي الآية على الأول إيجاز أي أن الله سبحانه وعدكم وعد الحق فوفاكم وأنجزكم ذلك { وَوَعَدتُّكُمْ } وعد الباطل وهو أن لا بعث ولا حساب ولئن كانا فالأصنام تشفع لكم { فَأَخْلَفْتُكُمْ } موعدي أي لم يتحقق ما أخبرتكم به وظهر كذبه، وقد استعير الإخلاف لذلك ولو جعل مشاكلة لصح.

{ وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّن سُلْطَـٰنٍ } أي تسلط أو حجة تدل على صدقي { إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ } أي إلا دعائي إياكم إلى الضلالة، وهذا وإن لم يكن من جنس السلطان حقيقة لكنه أبرزه في مبرزه وجعله منه ادعاء فلذا كان الاستثناء متصلاً، وهو من تأكيد الشيء بضده كقوله:
وخيل قد دلفت لها بخيل   تحية بينهم ضرب وجيع
وهو من التهكم لا من باب الاستعارة أو التشبيه أو غيرهما على ما حقق في موضعه، فإن لم يعتبر فيه التهكم والادعاء يكون الاستثناء منقطعاً على حد قوله:
وبلدة ليس بها أنيس   إلا اليعافير وإلا العيس
وإلى الانقطاع ذهب أبو حيان وقال: إنه الظاهر، وجوز الإمام القول بالاتصال من غير اعتبار الادعاء؛ ووجه ذلك بأن القدرة على حمل الإنسان على الشيء تارة تكون بالقهر من الحامل وتارة تكون بتقوية الداعية في قلبه وذلك بإلقاء الوسواس إليه وهذا نوع من أنواع التسلط فكأنه قال: ما كان لي تسلط عليكم إلا بالوسوسة لا بالضرب ونحوه { فَٱسْتَجَبْتُمْ لِى } أي أسرعتم إجابتي كما يؤذن بذلك الفاء، وقيل: يستفاد الإسراع من السين لأن الاستجابة وإن كانت بمعنى الإجابة لكن عد ذلك من التجريد وأنهم كأنهم طلبوا ذلك من أنفسهم فيقتضي السرعة وفيه بعد.

السابقالتالي
2 3 4 5