الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

{ فى الدنيا والآخرة } أى فى أمور الدنيا والآخرة، فتأخذوا بالأصلح الأسهل الأنفع فى العقبى، وتجتنبوا ما يضركم فيهما، وفى متعلق يتفكرون، أو ويبين، ولعل للتعليل. وقيل المعنى لعلكم تتفكرون فى أن الدنيا دار بلاء وفناء، وأن الآخرة دال إقبال وبقاء وجزاء، وهو مروى عن ابن عباس رضى الله عنه، قال الغزالى العاقل لا يغفل عن ذكر الآخرة فى لحظة فإنها مصيره ومستقره، فيكون له فى كل ما يراه من ماء أو نار أو غيرهما عبرة، فأن نظر إلى سواد ذكر ظلمة اللحد، وإن نظر إلى صورة مروعة تذكر منكراً ونكيراً والزبانية، وإن سمع صوتاً هائلا تذكر نفخة الصور، وإن رأى شيئاً حسناً تذكر نعيم الجنة، وإن سمع كلمة رد أو قبول تذكر ما ينكشف من أمره بعد الحساب من رد أو قبول، وما أجدر أن يكون هذا هو الغالب على قلب العاقل لا يصرف عنه إلى أمر الدنيا، فإذا نسب مدة المقام فى الدنيا إلى مدة المقام فى الآخرة، استحقر الدنيا إن لم يكن أغفل قلبه وأعميت بصيرته. { ويَسْألُونك عَن اليَتَامَى } قال ابن عباس وابن المسيب لما نزلتإن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً } الآية، وولا تقربوا مال اليتيم } الآية. اعتزلوا اليتامى وتحاموهم، وتركوا مخالطتهم والقيام بأموالهم والاهتمام بمصالحهم، حتى كان يوضع لليتيم طعام فيفضل منه شئ فيتركونه ولا يأكلونه حتى يفسد، وكان صاحب اليتيم يفرد له منزلا وطعاماً وشراباً، فعظم ذلك على ضعفاء المسلمين، حتى قال عبد الله بن رواحة يا رسول الله ما ملكنا منازل تسكنها الأيتام، ولا كلنا يجد طعاماً وشراباً يفردهما لليتيم، فنزلت الآية، أى يسألونك عن مخالطة أموال اليتامى. { قُلْ إصْلاحٌ لَهُمْ خَيْر } إصلاح مبتدأ ولهم متعلق به وهو المسبوغ وخير خبر أى إصلاح أموالهم بتناولها ووضعها فى الموضع الأصلح لها، وبالتجر لهم فيها، وبيع ما يخلف فساده أو أكله، وتفويض مثله أو أجود، ومواكلتهم باعتبار الصلاح لهم خير من مجانبتهم ففى الحديث " اتجروا فى أموال اليتامى لا تأكله الزكاة، ومن لهُ يتيم زكا ماله خيراً من أن يتركه بلا زكاة " لأن الزكاة تنميه وتطهره، وقد قيل أيضاً يتصدق عنه بالقليل من ماله نفعاً له دنيا وأخرى، ففى الآية رفع للمشقة عمن عنده يتيم، ونفع لليتامى، وقرأ طاووس { قل إصلاح إليهم } ، أى إيصال الصلاح إليهم خير. { وإنْ تُخَالِطُوهُم فإخْوانُكُم } أى فهم إخوانكم، ومن حق الأخر أن يخالط الأخ ويشفق له، ويراعى له المصالح، ففى ذلك حث على مخالطتهم فى أموالهم نظرا للأصلح لهم، سماهم بإخوان فى الدين. وقيل المراد بالمخالطة المصاهرة بالنكاح، لأن المخالطة بالنكاح أقوى من المخالطة فى المطعوم والمشروب والمسكن، فحمل لفظ المخالطة عليها أولى، فيدخل المخالطة بالمال بالأولى.

السابقالتالي
2