الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُواْ ٱلْمُشِرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلْجَنَّةِ وَٱلْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }

قوله { وَلاَ تَنْكِحُواْ } قرأه الجمهور بفتح التاء، وقرىء في الشواذ بضمها قيل والمعنى كان المتزوج لها أنكحها من نفسها. وفي هذه الآية النهي عن نكاح المشركات، فقيل المراد بالمشركات الوثنيات، وقيل إنها تعم الكتابيات لأن أهل الكتاب مشركون،وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ وَقَالَتِ ٱلنَّصَـٰرَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ } التوبة 30، وقد اختلف أهل العلم في هذه الآية، فقالت طائفة إن الله حرم نكاح المشركات فيها، والكتابيات من الجملة، ثم جاءت آية المائدة، فخصصت الكتابيات من هذا العموم. وهذا محكي عن ابن عباس، ومالك، وسفيان بن سعيد، وعبد الرحمن بن عمر، والأوزاعي. وذهبت طائفة إلى أن هذه الآية ناسخة لآية المائدة، وأنه يحرم نكاح الكتابيات، والمشركات، وهذا أحد قولي الشافعي، وبه قال جماعة من أهل العلم. ويجاب عن قولهم أن هذه الآية ناسخة لآية المائدة بأن سورة البقرة من أوّل ما نزل، وسورة المائدة من آخر ما نزل. والقول الأوّل هو الراجح. وقد قال به مع من تقدم عثمان بن عفان، وطلحة، وجابر، وحذيفة، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، والحسن، وطاوس، وعكرمة، والشعبي، والضحاك كما حكاه النحاس، والقرطبي. وقد حكاه ابن المنذر عن المذكورين، وزاد عمر بن الخطاب وقال لا يصح عن أحد من الأوائل أنه حرّم ذلك. وقال بعض أهل العلم إن لفظ المشرك لا يتناول أهل الكتاب لقوله تعالىمَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ وَلاَ ٱلْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مّنْ خَيْرٍ رَبُّكُـمْ } البقرة 105. وقاللَمْ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ وَٱلْمُشْرِكِينَ } البينة 1 وعلى فرض أن لفظ المشركين يعمّ، فهذا العموم مخصوص بآية المائدة كما قدمنا. قوله { وَلأمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ } أي ولرقيقة مؤمنة، وقيل المراد بالأمة الحرة لأن الناس كلهم عبيد الله، وإماؤه، والأول أولى لما سيأتي لأنه الظاهر من اللفظ ولأنه أبلغ، فإن تفضيل الأمة الرقيقة المؤمنة على الحرّة المشركة يستفاد منه تفضيل الحرّة المؤمنة على الحرّة المشركة بالأولى. وقوله { وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ } أي ولو أعجبتكم المشركة من جهة كونها ذات جمال، أو مال، أو شرف، وهذه الجملة حالية. قوله { وَلاَ تُنكِحُواْ ٱلْمُشِرِكِينَ } أي لا تزوجوهم بالمؤمنات { حَتَّىٰ يُؤْمِنُواْ } قال القرطبي وأجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه لما في ذلك من الغضاضة على الإسلام، وأجمع القراء على ضم التاء من تنكحوا. وقوله { وَلَعَبْدٌ } الكلام فيه كالكلام في قوله { وَلأمَةٌ } والترجيح كالترجيح. قوله { أُوْلَـٰئِكَ } إشارة إلى المشركين، والمشركات { يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ } أي إلى الأعمال الموجبة للنار، فكان في مصاهرتهم، ومعاشرتهم، ومصاحبتهم من الخطر العظيم ما لا يجوز للمؤمنين أن يتعرضوا له، ويدخلوا فيه { وَٱللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ ٱلْجَنَّةِ } أي إلى الأعمال الموجبة للجنة.

السابقالتالي
2