الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَجْعَلُواْ ٱللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

اللغة: يقال لكل من يصلح للشيء هو عرضة لـه والمرأة عرضة للنكاح والدابة المُعَدّة للسفر عرضة لـه وقال الشاعر:
فَهذي لأَيَّامِ الحُرُوبِ وهَذِه   لِلَـهْوِي وَهذي عُرْضَةٌ لارْتِحالنا
أي عدّة وقال أبو العباس العرضة الاعتراض في الخير والشر واليمين والقسم والحلف واحد وقيل أخذ مِن القوة لأنه يتقوى به على ما يحلف عليه ومنه قولـه:
تَلَقَّــاهـــا عَرَابَــةُ بِاليَمِـيــنِ   
وقيل أخذ من الجارحة لأنهم كانوا عند الإيمان يضربون أيديهم فسمي الحلف بذلك وقيل أخذ من اليُمن الذي هو البركة لأنه عقد خير يتبرك بذكره للتأكيد. الإعراب: قولـه { أن تبروا } في موضعه ثلاثة أقوال أحدها: ان موضعه جرّ بحذف اللام عن الخليل. قال أبو علي: جاز أن يكون المصدر الذي هو أن مع الفعل في موضع جر وإن لم يجز ذلك في غير أَنْ لأمرين أحدهما: أن الكلام قد طال بالصلة فحسن الحذل والآخر: أنَّ أن حرف وإذا حذف اللام صار كأنّ حرفاً كان قد أقيم مقام حرف فعاقَبَهُ فلـهذا حسن حذف اللام مع أنْ دون المصدر غير الموصول في اللفظ بالفعل. وأقول عنى بذلك أنك إذا قلت جئتك لضرب زيد لم يجز أَن تحذف اللام فتقول جئتك ضرب زيد وإذا قلت جئتك لأن تضرب زيداً جاز أن تحذف اللام فتقول جئتك أن تضرب زيداً. والثاني: أن موضعه النصب لأنه لما حذف الجار وصل الفعل وهو قول سيبويه وهو القياس. وأقول على القولين جميعاً فيكون تقديره لأن لا تبروا على النفي أو لأن تبروا على الإثبات فعلى القول الأول وهو النفي يكون في موضع النصب بأنه مفعول لـه، وعلى القول الثاني وهو الإثبات يجوز أن يكون مفعولاً لـه ويجوز أن يكون في محل النصب على الحال والعامل فيه ما في قولـه لإيمانكم من معنى الفعل تقديره لا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم كائنة لأن تبروا أي لبركم وذو الحال الإيمان. والثالث: ما قالـه قوم أن موضعه رفع تقديره أن تبروا وتتقوا أولى فحذف الخبر الذي هو أولى لأنه معلوم المعنى. النزول: نزلت في عبد الله بن رواحة حين حلف أن يدخل على ختنه ولا يكلمه ولا يصلح بينه وبين امرأته فكان يقول إني حلفت بهذا فلا يحل لي أن أفعلـه فنزلت الآية. المعنى: لما بيّن سبحانه أحوال النساء وما يحل منهن عقَّبه بذكر الإيلاء وهو اليمين التي تحرم الزوجة فابتدأ بذكر الإيمان أولاً تأسيساً لحكم الإيلاء فقال { ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم }. وفي معناه ثلاثة أقوال أحدها: أن معناه لا تجعلوا اليمين بالله علة مانعة لكم من البر والتقوى من حيث تعتمدونها بها وتقولوا حلفنا بالله ولم تحلفوا به عن الحسن وطاووس وقتادة، وأصلـه في هذا الوجه الاعتراض الذي هو المانع بينكم وبين البر والتقوى لأن المعترض بين الشيئين يكون مانعاً من وصول أحدهما إلى الآخر فالعلة مانعة كهذا المعترض.

السابقالتالي
2 3