الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِيۤ أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوۤاْ إِصْلاَحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

{ وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ } ، هذا أمر للمطلقات بأن يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء أي: بأن تمكث إحداهن بعد طلاق زوجها لها ثلاثة قروء ثم تتزوج إن شاءت. وأريد بالمطلقات: المدخول بهن من ذوات الأقراء، لما دلت الآيات والأخبار أن حكم غيرهن خلاف ما ذكر. أما غير المدخولة فلا عدّة عليها لقوله تعالى:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ } [الأحزاب: 49]؛ وأما التي لم تحض فعدتها ثلاثة أشهر لقوله تعالى:وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَٱللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ } [الطلاق: 4]، وأما الحامل فعدتها وضع الحمل لقوله تعالى:وَأُوْلاَتُ ٱلأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } [الطلاق: 4]. فهذه الآية من العام المخصوص.

قال الزمخشريّ: فإن قلت: فما معنى الإخبار عنهن بالتربّص؟ قلت: هو خير في معنى الأمر، وأصل الكلام وليتربص المطلقات، وإخراج الأمر في صورة الخبر تأكيد للأمر وإشعار بأنه مما يجب أن يتلقى بالمسارعة إلى امتثاله. فكأنهن امتثلن الأمر بالتربص. فهو يخبر عنه موجوداً. ونحوه قولهم في الدعاء: رحمك الله أخرج في صورة الخبر ثقة بالاستجابة، كأنما وجدت الرحمة فهو يخبر عنها. وبناؤه على المبتدأ مما زاده أيضاً فضل توكيد. ولو قيل: ويتربص المطلقات لم يكن بتلك الوكادة.. فإن قلت: هلا قيل: يتربصن ثلاثة قروء كما قيل تربص أربعة أشهر، وما معنى ذكر الأنفس؟ قلت: في ذكر الأنفس تهييج لهنّ على التربص وزيادة بعث، لأن فيه ما يستنكفن منه فيحملهن على أن يتربصن. وذلك أنّ أنفس النساء طوامح إلى الرجال. فأمرن أن يقمعن أنفسهن ويغلبنها على الطموح ويجبرنها على التربص.

والقرء: من الأضداد. يطلق على الحيض والطهر. نص عليه من أئمة اللغة: أبو عبيدة والزجاج وعمرو بن العلاء وغيرهم. والبحث في ترجيح أحدهما طويل الذيل. استوفاه الإمام ابن القيّم في زاد المعاد فانظره. ولمن نظر إلى موضوعه اللغويّ أن يقول: تنقضي العدة بثلاثة أطهار أو بثلاث حيض، فأيهما اعتبرته المعتدة خرجت عن عهدة التكليف به. والله أعلم. { وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ } - أي: المطلقات - { أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِيۤ أَرْحَامِهِنَّ } من الحيض أو الولد، استعجالا في العدة أو إبطالاً لحقّ الزوج في الرجعة { إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِٱللَّهِ } ، أي: إن جرين على مقتضى الإيمان به، المخوف من ذاته { وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } المخوف من جزائه. ودلّ هذا على أن المرجع في هذا إليهنّ، لأنه أمر لا يعلم إلا من جهتهن، ويتعذر إقامة البينة على ذلك، فرد الأمر إليهن، وتوعدن فيه لئلا يخبرن بغير الحقّ. وهذه الآية دالة على أنّ كل من جعل أميناً في شيء فخان فيه، فأمره عند الله شديد { وَبُعُولَتُهُنَّ } - أي: أزواجهن - { أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ } أي: برجعتهن، والكلام في الرجعية بدليل الآية التي بعدها { فِي ذَلِكَ } أي: في زمان التربص، وهي أيام الأقراء.

السابقالتالي
2 3