الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِيۤ أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوۤاْ إِصْلاَحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

قوله تعالى: { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } سبب نزولها: أن المرأة كانت إذا طلقت وهي راغبة في زوجها، قالت: أنا حبلى، وليست حبلى، لكي يراجعها، وإن كانت حبلى وهي كارهة، قالت: لست بحبلى، لكي لا يقدر على مراجعتها. فلما جاء الإسلام ثبتوا على هذا. فنزل قوله تعالى:يا أيها النبي إِذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة } [الطلاق:1]. ثم نزلت: { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء }. رواه أبو صالح عن ابن عباس.

فأما التفسير؛ فالطلاق: التخلية. قال ابن الأنباري: هي من قول العرب: أطلقت الناقة، فطلقت: إذا كانت مشدودة، فأزلت الشد عنها، وخليتها، فشبه ما يقع للمرأة بذلك، لأنها كانت متصلة الأسباب بالرجل، وكانت الأسباب كالشد لها، فلما طلقها قطع الأسباب، ويقال طلقت المرأة، وطُلّقت وقال غيره: الطلاق: من أطلقت الشيء من يدي، إلا أنهم لكثرة استعمالهم اللفظتين فرقوا بينهما، ليكون التطليق مقصوراً في الزوجات. وأما القروء: فيراد بها: الأطهار، ويراد بها الحيض. يقال: أقرأت المرأة إذا حاضت، وأقرأت: إذا طهرت. قال النبي صلى الله عليه وسلم في المستحاضة: " تقعد أيام أقرائها " يريد أيام حيضها. وقال الأعشى:
وفي كل عام أنت جاشم غزوة   تشد لأقصاها غريم عزائكا
مُورِّثةٍ مالاً، وفي الحي رفعةً   لما ضاع فيها من قروء نسائكا
أراد بالقروء: الأطهار، لأنه لما خرج عن نسائه أضاع أطهارهن. واختلف أهل اللغة في أصل القروء على قولين. أحدهما: أن أصله الوقت، يقال: رجع فلان لقرئه أي: لوقته الذي كان يرجع فيه، [ورجع لقارئه أيضاً] قال الهذلي:
كرهت العقر عقر بني شليل   إذا هبت لقارئها الرياح
فالحيض يأتي لوقت، والطهر يأتي لوقت، هذا قول ابن قتيبة. والثاني: أن أصله الجمع. وقولهم: قرأت القرآن، أي: لفظت به مجموعاً. والقرء: اجتماع الدم في البدن، وذلك إنما يكون في الطهر، وقد يجوز أن يكون اجتماعه في الرحم، وكلاهما حسن، هذا قول الزجاج.

واختلف الفقهاء في الأقراء على قولين. أحدهما: أنها الحيض. روي عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وأبي موسى، وعبادة بن الصامت، وأبي الدرداء، وعكرمة، والضحاك والسدي، وسفيان الثوري، والأوزاعي، والحسن بن صالح، وأبي حنيفة وأصحابه، وأحمد بن حنبل رضي الله عنه فانه قال: قد كنت أقول: القروء: الأطهار، وأنا اليوم أذهب إلى أنها الحيض. والثاني: أنها الأطهار. روي عن زيد بن ثابت، وابن عمر، وعائشة، والزهري، وأبان بن عثمان، ومالك بن أنس، والشافعي، وأومأ إليه أحمد.

ولفظ قوله تعالى { والمطلقات يتربصن } لفظ الخبر، ومعناه: الأمر، كقوله تعالى: { والوالداتُ يُرضعنَ أولادهن حولين كاملين } وقد يأتي لفظ الأمر في معنى الخبر كقوله تعالى:فليمدد له الرحمن مدا } [مريم:75]. والمراد بالمطلقات في هذه الآية، البالغات، المدخول بهن غير الحوامل.

السابقالتالي
2 3