الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ }

يخبر تعالى عن امرأة العزيز التي كان يوسف في بيتها بمصر، وقد أوصاها زوجها به وبإكرامه، فراودته عن نفسه، أي حاولته على نفسه، ودعته إليها، وذلك انها أحبته حباً شديداً لجماله وحسنه وبهائه، فحملها ذلك على أن تجملت له، وغلقت عليه الأبواب، ودعته إلى نفسها، { وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ } فامتنع من ذلك أشد الامتناع، و { قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبِّىۤ أَحْسَنَ مَثْوَاىَّ } وكانوا يطلقون الرب على السيد الكبير، أي إن بعلك ربي أحسن مثواي، أي منزلي، وأحسن إلي، فلا أقابله بالفاحشة في أهله { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } ، قال ذلك مجاهد والسدي ومحمد بن إسحاق وغيرهم. وقد اختلف القراء في قوله { هَيْتَ لَكَ } فقرأه كثيرون بفتح الهاء وإسكان الياء وفتح التاء، وقال ابن عباس ومجاهد وغير واحد معناه أنها تدعوه إلى نفسها. وقال علي بن أبي طلحة والعوفي عن ابن عباس هيت لك، تقول هلم لك، وكذا قال زر بن حبيش وعكرمة والحسن وقتادة. قال عمرو بن عبيد عن الحسن وهي كلمة بالسريانية، أي عليك. وقال السدي هيت لك، أي هلم لك، وهي بالقبطية. وقال مجاهد هي لغة عربية تدعوه بها. وقال البخاري وقال عكرمة هيت لك، أي هلم لك بالحورانية. وهكذا ذكره معلقاً. وقد أسنده الإمام جعفر بن جرير حدثني أحمد بن سُهَيْل الواسطي، حدثنا قرة بن عيسى، حدثنا النضر بن عربي الجزري عن عكرمة مولى ابن عباس في قوله { هَيْتَ لَكَ } قال هلم لك، قال هي بالحورانية، وقال أبو عبيد القاسم بن سلام وكان الكسائي يحكي هذه القراءة، يعني هيت لك، ويقول هي لغة لأهل حوران وقعت إلى أهل الحجاز، ومعناها تعال. وقال أبو عبيدة سألت شيخاً عالماً من أهل حوران، فذكر أنها لغتهم يعرفها، واستشهد الإمام ابن جرير على هذه القراءة بقول الشاعر لعلي ابن أبي طالب رضي الله عنه
أَبْلِغْ أميرَ المُؤْمِنـ ـينَ أخا العِراق إذا أتينا إنَّ العراقَ وأهلَهُ عُنُقٌ إليكَ فَهَيْتَ هَيْتا   
يقول فتعال واقترب، وقرأ ذلك آخرون هئت لك، بكسر الهاء والهمزة وضم التاء، بمعنى تهيأت لك، من قول القائل هئت بالأمر أهيء هئة، وممن روي عنه هذه القراءة ابن عباس وأبو عبد الرحمن السلمي وأبو وائل وعكرمة وقتادة، وكلهم يفسرها بمعنى تهيأت لك. قال ابن جرير وكان أبو عمرو والكسائي ينكران هذه القراءة، وقرأ عبد الله بن إسحاق هيت، بفتح الهاء وكسر التاء، وهي غريبة، وقرأ آخرون منهم عامة أهل المدينة هيت، بفتح الهاء وضم التاء، وأنشد قول الشاعر
لَيْسَ قَوْمي بالأَبْعَدين إذا ما قالَ داعٍ مِنَ العشيرةِ هَيْتُ   
قال عبد الرزاق أنبأنا الثوري، عن الأعمش، عن أبي وائل، قال قال ابن مسعود - وقد سمع القراء - سمعتهم متقاربين، فاقرؤوا كما علمتم، وإياكم والتنطع والاختلاف، وإنما هو كقول أحدكم هلم، وتعال.

السابقالتالي
2