الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ بَلْ قَالُوۤاْ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّهْتَدُونَ } * { وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّقْتَدُونَ }

فيه مسألتان: الأولى ـ قوله تعالى: { عَلَىٰ أُمَّةٍ } أي على طريقة ومذهب قاله عمر بن عبد العزيز. وكان يقرأ هو ومجاهد وقتادة «عَلى إمّةٍ» بكسر الألف. والأمّة الطريقة. وقال الجوهري: والإمة بالكسر: النعمة. والإمّة أيضاً لغة في الأُمّة، وهي الطريقة والدّين عن أبي عبيدة. قال عَدِيّ بن زيد في النعمة:
ثم بعد الفَلاَح والمُلْكِ والأ   مّة وارتْهُمُ هناك القبور
عن غير الجوهري. وقال قتادة وعطية: «على أمةٍ» على دِين ومنه قول قيس بن الخطِيم:
كنا على أمّة أبائنا   ويقتدي الآخر بالأوّل
قال الجوهري: والأمّة الطريقة والدِّين، يقال: فلان لا أمة له أي لا دين له ولا نِحْلة. قال الشاعر:
وهل يستوي ذو أمّة وكَفُورُ   
وقال مجاهد وقطرب: على دين على ملة. وفي بعض المصاحف «قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى مِلَّة» وهذه الأقوال متقاربة. وحكي عن الفرّاء على ملة على قِبْلة. الأخفش: على استقامة، وأنشد قول النابغة:
حَلَفْتُ فلم أترك لنفسك ريبةً   وهل يأثَمْنَ ذو أُمَّة وهو طائع
الثانية ـ { وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ } أي نهتدي بهم. وفي الآية الأخرى «مُقْتَدُون» أي نقتدي بهم، والمعنى واحد. قال قتادة: مقتدون متبعون. وفي هذا دليل على إبطال التقليد لذمّه إياهم على تقليد آبائهم وتركهم النظر فيما دعاهم إليه الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد مضى القول في هذا في «البقرة» مستوفى. وحكى مقاتل أن هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة وأبي سفيان وأبي جهل وعتبة وشيبة ابني ربيعة من قريش أي وكما قال هؤلاء فقد قال مَن قبلهم أيضاً. يُعَزِّي نبيّه صلى الله عليه وسلم ونظيره:مَّا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ } [فصلت: 43]. والمترف: المنعم والمراد هنا الملوك والجبابرة.