الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ }

قولُه تعالى: { وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ }: إنْ حرف شرطٍ يَجْزِم فعلينِ شرطاً وجزاءً، ولا يكونُ إلا في المحتملِ وقوعُه، وهي أمُّ ألبابِ، فلذلك يُحْذَفُ مجزومُها كثيراً، وقد يُحْذَفُ الشرطُ والجزاءِ معاً، قال:
270ـ قالَتْ بناتُ العَمِّ يا سَلْمى وإنْ   كانَ فقيراً مُعْدِماً قالَتْ: وإنْ
أي: وإن كان فقيراً تزوجتُه، وتكونُ " إنْ " نافيةً لتعملُ وتُهْمَلُ، وتكون مخففةً وزائدةً باطِّراد وعدمِه، وأجاز بعضُهم أن تكونَ بمعنى إذْ، وبعضُهم أن تكونَ بمعنى قد، ولها أحكامٌ كثيرة. و " في ريب " خبر كان، فيتعلَّقُ بمحذوفٍ، ومحلُّ " كان " الجزمُ، وهي وإن كانَتْ ماضيةً لفظاً فهي مستقبلةٌ معنى.

وزعم المبردُ أنَّ لـ " كان " الناقصةِ حكماً مع " إنْ " ليس لغيرها من الأفعالِ الناقصةِ فزعم أن لقوةِ " كان " أنَّ " إنْ " الشرطية لا تَقْلِبُ معناها إلى الاستقبال، بل تكونُ على معناها من المضيِّ، وتبعه في ذلك أبو البقاء، وعَلَّلَ ذلك بأنه كثُر استعمالُها غيرَ دالَّةٍ على حَدَثٍ. وهذا مردودٌ عند الجمهورِ لأن التعليقَ إنما يكون في المستقبلِ، وتأوَّلوا ما ظاهرُه غيرُ ذلك، نحو:إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ } [يوسف: 26]: إمَّا بإضمار " يَكُنْ " بعد " إنْ " ، وإمَّا على التبيين، والتقديرُ: إنْ يكُنْ قميصُه أو إن يَتبيَّنْ كونُ قميصِه، ولمَّا خَفِيَ هذا المعنى على بعضهم جَعَل " إنْ " هنا بمنزلة " إذْ ".

وقوله: " في ريبٍ " مجازٌ من حيث إنه جَعَلَ الريبَ ظرفاً محيطاً بهم، بمنزلةِ المكانِ لكثرةِ وقوعِه منهم. و " مِمَّا " يتعلقُ بمحذوفٍ لأنه صفةٌ لريب فهو في محلِّ جَرٍّ. و " مِنْ " للسببية أو ابتداءِ الغاية، ولا يجوزُ أن تكونَ للتبعيضِ، ويجوز أن تتعلَّق بريب، أي: إن ارتَبْتُمْ من أجل، فـ " مِنْ " هنا للسببيةِ " وما " موصولةٌ أو نكرةٌ موصوفةٌ، والعائدُ على كلا القولين محذوفٌ أي: نَزَّلناه. والتضعيفُ في " نزَّلنا " هنا للتعدية مرادفاً لهمزةِ التعدِّي، ويَدُلُّ عليه قراءةُ " أنْزَلْنا " بالهمز، وجَعَلَ الزمخشري التضعيفَ هنا دالاًّ على نزولِه مُنَجَّماً في أوقاتٍ مختلفة. قال بعضُهم: " وهذا الذي ذهبَ إليه في تضعيفِ الكلمة هنا هو الذي يُعَبَّر عنه بالتكثير، أي يَفْعَلُ [ذلك] مرةً بعد مرةٍ، فَيُدَلُّ على ذلك بالتضعيفِ، ويُعَبَّرُ عنه بالكثرةِ ". قال: " وذَهَلَ عن قاعدةٍ ـ وهي أن التضعيفَ الدالَّ على ذلك من شرطه أن يكونَ في الأفعال المتعديةِ قبل التضعيفِ غالباً نحو: جَرَّحْتُ زيداً وفتَّحْتُ الباب، ولا يُقال: جَلَّس زيدٌ، ونَزَّل لم يكن متعدياً قبلَ التضعيفِ، وإنَّ ما جَعَلَه متعدياً تضعيفُه.

السابقالتالي
2 3 4