الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً }

قوله: { وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً }: يجوزُ أَنْ يكونَ مِنْ عَطْفِ الخاص على العام إنْ قيل: إنَّ هذه الأسماءَ لأصنامٍ، وأن لا يكونَ إنْ قيل: إنها أسماءُ رجالٍ صالحينَ على ما ذُكر في التفسير. وقرأ نافع " وُدّاً " بضم الواوِ، والباقون بفتحها، وأُنْشِدَ بالوَجْهَيْن قولُ الشاعر:
4344ـ حَيَّاكَ وَدٌّ فإنَّا لا يَحِلُّ لنا   لَهْوُ النساءِ وإنَّ الدين قد عزما
وقول الآخر:
4345ـ فحيَّاكِ وَدٌّ مِنْ هُداكِ لفِتْيَةٍ   وخُوْصٍ بأعلى ذي فُضالةَ مُنْجِدِ
قوله: { وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ } قرأهما العامَّةُ بغير تنوين. فإن كانا عربيَّيْن فالمنعُ من الصَرْف للعلميَّةِ والوزن، وإن كانا أعجميَّيْن فللعلميَّةِ والعُجْمة. وقرأ الأعمش: " ولا يَغُوْثاً ويَعُوْقاً " مصورفَيْن. قال ابن عطية: " وذلك وهمٌ: لأنَّ التعريفَ لازمٌ ووزنَ الفعل " انتهى. وليس بوهمٍ لأمرَيْن، أحدهما: أنه صَرَفَهما للتناسُبِ، إذ قبله اسمان منصرفان، وبعده اسمٌ منصرفٌ، كما صُرِفَ " سلاسل ". والثاني: أنه جاء على لغةِ مَنْ يَصْرِفُ غيرَ المنصرِف مطلقاً. وهي لغةٌ حكاها الكسائيُّ.

ونقل أبو الفضل الصَّرْفَ فيهما عن الأشهبِ العُقَيْليِّ ثم قال: " جَعَلهما فَعُولاً؛ فلذلك صرفهما، فأمَّا في العامَّة فإنهما صفتان من الغَوْث والعَوْق ". قلت: وهذا كلامٌ مُشْكِلٌ. أمَّا قولُه: " فَعُولاً " فليس بصحيحٍ، إذ مادةُ " يغث " و " يعق " مفقودةٌ. وأمَّا قولُه: " صفتان من الغَوْث والعَوْق " فليس في الصفاتِ ولا في الأسماءِ " يَفْعُل " والصحيحُ ما قَدَّمْتُه. وقال الزمخشري: " وهذه قراءةٌ مُشْكِلة؛ لأنهما إنْ كانا عربيَّيْنِ أو أعجميَّيْنِ ففيهما مَنْعُ الصَّرْفِ، ولعله قَصَدَ الازدواجَ فصرَفهما. لمصادفتِه أخواتِهما منصرفاتٍ: وَدَّاً وسُوعاً ونَسْراً ". قال الشيخ: " كأنه لم يَطَّلعْ على أنَّ صَرْفَ ما لا ينصرفُ لغةٌ ".