الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ }

اللغة: إن دخلت ههنا لغير شك لأن الله تعالى علم أنهم مرتابون ولكن هذا على عادة العرب في خطابهم كقولـهم إن كنت إنساناً فافعل كذا وإن كنت ابني فأطعني وإن كان كونه إنساناً وابناً معلوماً وإنما خاطبهم الله تعالى على عادتهم في الخطاب والريب الشك مع تهمة والعبد المملوك من جنس ما يعقل ونقيضه الحرّ من التعبيد وهو التذليل لأن العبد يذل لمولاه والعبودية من أحكام الشرع لأنه بمنزلة ذبح الحيوان ويستحق عليها العوض وليست بعقوبة ولذلك يسترق المؤمن والصبي والسورة غير مهموزة من سور البناء وكل منزلة رفيعة فهي سورة ومنه قول النابغة:
أًَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَعْطَاكَ سُورَةً   تَرَى كُلَّ مُلْكٍ دُونَهَا يَتَذَبْذَبُ
هذا قول أبي عبيدة وابن الأعرابي في تفسير السورة فكل سورة من القرآن بمنزلة درجة رفيعة ومنزل عال رفيع يرتفع القارئ منها إلى منزلة أخرى إلى أن يستكمل القرآن وقيل السورة مهموزة والمراد بها القطعة من القرآن انفصلت عما سواها وأبقيت وسؤر كل شيء بقيته وأسأرت في الإناء أبقيت فيه قال الأعشى يصف امرأة:
فَبانَتْ وَقَدْ أَسأَرَتْ في الفُؤَا   دِ صَدْعاً عَلى نَأيِها مُستطيرا
الإعراب: إن حرف شرط تجزم الفعل المضارع وتدخل على الفعل الماضي فتصرفه إلى معنى الاستقبال ولابد للشرط من جزاء وهما جملتان ربطت إحداهما بالأخرى نحو: إن تفعل أفعل فقولك إن تفعل شرط وهو مجزوم بأن وقولك أفعل جزاء وهو مجزوم بالشرط لا بأن وحدها ولا بالفعل فإن كان الجزاء جملة من فعل وفاعل كان مجزوماً وإن كان جملة من مبتدأ وخبر فلا بد من الفاء وكانت الجملة في موضع الجزم فقولـه كنتم في موضع الجزم بأن. وقولـه: { فأتوا بسورة } ائتوا مبني على الوقف لأنه أمر المخاطبين والواو فاعل والفاء وما بعده في موضع جزم بأنه جزاء وما قيل الفاء لا يعمل فيما بعده ومن يقع على أربعة أوجه أحدها: أن يكون بمعنى ابتداء الشيء من مكان مّا كقولك خرجت من البصرة. وثانيها: بمعنى التبعيض كقولك أخذت من الطعام قفيزاً وثالثها: بمعنى التبيين كقولـه تعالى:فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ } [الحج: 30] وهي في التبيين تخصص الجملة التي قبلها كما أنها في التبعيض تخصص الجملة التي بعدها ورابعها: أن تقع مزيدة نحو ما جاءني من رجل. فإذا قد عرفت هذا فقولـه تعالى: { من مثله } قال بعضهم أن من بمعنى التبعيض وتقديره فأتوا ببعض ما هو مثل له وهو سورة وقيل هو لتبيين الصفة وقيل إن من مزيدة لقولـه في موضع آخر بسورة: { مثله } أي مثل هذا القرآن وتعود الهاء في مثله إلى ما من قولـه: { مما نزلنا على عبدنا } في الأقوال الثلاثة وقيل إن من بمعنى ابتداء الغاية والهاء من مثله يعود إلى عبدنا فيكون معناه بسورة من رجل مثله والأول أقوى لما نذكره بعد.

السابقالتالي
2