الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَٰتُكُمْ وَبَنَٰتُكُمْ وَأَخَوَٰتُكُمْ وَعَمَّٰتُكُمْ وَخَالَٰتُكُمْ وَبَنَاتُ ٱلأَخِ وَبَنَاتُ ٱلأُخْتِ وَأُمَّهَٰتُكُمُ الَّٰتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ وَأُمَّهَٰتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ ٱلَّٰتِي فِي حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱلَّٰتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَٰئِلُ أَبْنَائِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنْ أَصْلَٰبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ ٱلأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }

المعنى:

في الناس من اعتقد أن هذه الآية وما يجري مجراها، كقوله:حرمت عليكم الميتة } مجملة لا يمكن التعلق بظاهرها في تحريم شيء، وإنما يحتاج إلى بيان قالوا: لأن الأعيان لا تحرم ولا تحل، وإنما يحرم التصرف فيها، والتصرف يختلف، فيحتاج إلى بيان التصرف المحرم، دون التصرف المباح، والأقوى أنها ليست مجملة، لأن المجل هو ما لا يفهم المراد بعينه بظاهره، وليست هذه الآية كذلك لأن المفهوم من ظاهرها تحريم العقد عليهن، والوطي، دون غيرهما من أنواع الفعل، فلا يحتاج إلى البيان مع ذلك، وكذلك قوله: { حرمت عليكم الميتة } المفهوم الأكل، والبيع، دون النظر إليها، أو رميها، وما جرى مجراهما كيف وقد تقدم هذه الآية ما يكشف عن أن المراد ما بيناه من قوله: { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم } فلما قال. بعده: { حرمت عليكم أمهاتكم } كان المفهوم أيضاً تحريم نكاحهن، وقد استوفينا ذلك في العدة في أصول الفقه، فلا نطول بذكره ها هنا.

قال ابن عباس: حرّم الله في هذه الآية سبعاً بالنسب، وسبعاً بالسبب، فالمحرمات من النسب الأمهات، ويدخل في ذلك أمهات الأمهات وإن علون، وأمهات الآباء مثل ذلك، والبنات، ويدخل في ذلك بنات الأولاد وأولاد البنين وأولاد البنات وإن نزلن، والأخوات، سواء كن لأب وأم أو لأب أو لأم، وكذلك العمات والخالات، وإن علون، من جهة الأب كن أو من جهة الأب أو من جهة الأم، وبنات الاخ، وبنات الأخت وإن نزلن.

والمحرمات بالسبب الأمهات من الرضاعة، والأخوات أيضاً من الرضاعة، وكل من يحرم بالسبب يحرم مثله بالرضاع، لقوله (صلى الله عليه وسلم): " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " وأمهات النساء يحرمن بنفس العقد، وإن لم يدخل بالبنت، على قول أكثر الفقهاء، وبه قال ابن عباس، والحسن، وعطاء، وقالوا: هي مبهمة، وخصوا التقييد بقوله: { وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن } ورووا عن علي (ع)، وزيد بن ثابت، أنه يجوز العقد على الأم ما لم يدخل بالبنت، وجعلوا قوله: { من نسائكم اللاتي دخلتم بهن } راجعاً إلى جميع من تقدم من أمهات النساء، والربائب.

اللغة:

والربائب: جمع ربيبة، وهي بنت الزوجة من غيره، ويدخل فيه أولادها وإن نزلن، وسميت بذلك لتربيته إياها، ومعناها مربوبة، نحو قتيلة في موضع: مقتولة، ويجوز أن تسمى ربيبة سواء تولى تربيتها وكانت في حجره، أو لم تكن، لأنه إذا تزوج بأمها سمي هو رابها، وهي ربيبته، والعرب تسمي الفاعلين والمفعولين بما يقع بهم، ويوقعونه، يقولون: هذا مقتول، وهذا ذبيح، وإن لم يقتل بعد ولم يذبح، إذا كان يراد قتله أو ذبحه، وكذلك يقولون: هذه أضحية لما أعد للتضحية، وكذلك: هذه قتوبة، وحلوبة، أي مما يقتب، ويحلب فمن قال: إنه لا تحرم بنت الزوجة إلا إذا تربت في حجره فقد أخطأ على ما قلناه ويقال لزوج المرأة: ربيب ابن امرأته، يعنى به رابّه، نحو: شهيد، بمعنى شاهد، وخبير، بمعنى خابر، وعليم، بمعنى عالم.

السابقالتالي
2 3 4