الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ }

وقرأ أبو عمرو: { بِمَآ آتَاكُمْ } - بالقصر -، ويكون الفاعل الضمير الراجع إلى الموصول. والآخرون بالمد ليكون هو الضمير العائد إلى اسم الله، و " الهاء " محذوفة من الصلة، تقديره: بما آتاكُمُوه.

لمّا ذكر سبحانه أن جميع ما أوجده الله تعالى مثبت في كتاب سابق، أراد أن يعلّل ذلك ويبيّن حكمته فيه، فقال: لكيلا تأسوا ولا تفرحوا. أي: فعلنا ذلك لئلا تحزنوا على ما يفوتكم من نعم الدنيا، ولا تفرحوا بما أعطاكم الله منها، والذي يوجب نفي الأسى والفرح، أن الإنسان إذا علم أن كلّما حكم عليه في القضاء السابق الأزلي ليس إلاَّ من مقتضيات ذوات الأشياء التي لا يمكن التفصي عنها، يحصل له الاطمينان الكلّي والراحة الكلّية بأن كل كمال تقتضيه حقيقته، وكل رزق صوري أو معنوي يطلبه عينه، لا بد أن يصل إليه.

كما قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): " أَلاَ إن الروح الأمين نفث في رَوعي: أنه لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأَجْمِلوا في الطلب ".

فيستريح عن تعب الطلب، وان طلب أَجْمَلَ ولا يخاف من الفوات ولا ينتظر، لعلمه بأن الله سبحانه في كل حين يعطيه من خزائنه ما يناسب وقته واستعداده، فهو واجد دائماً من مقصوده شيئاً فشيئاً، وما لا يقدّر له لا يراه من الغير، فلا يبقى له حزن على فوات شيء. وكذلك من علم أن بعض الخير واصل إليه، وأن وصوله لا يفوته بحال، لم يعظم فرحه عند نيله.

فإن قلت: بعض بني الإنسان ربما كان مقتضى ذاته أموراً لا تلائم نفسه كالفقز، وسوء المزاج، وقلة الاستعداد، ولا يرى سبباً للخلاص، إذ مقتضى الذات لا يزول، فيحصل له غاية الأسىٰ من هذا الوجه ولذلك قيل: " العلم بسر القدر يعطي النقيضين: الراحة الكلية والعذاب الدائم " ، فكيف يستقيم الحكم بعدم الأسى والحزن على فوات الأمور؟

قلنا: ليس المراد نفي الأسى والفرح الصادرين عن الشخص بحسب الطبع، بل المراد نفي صدورهما من العاقل على سبيل الاختيار المنبعث عن تصور الفائدة والنفع، وليس للحزن فائدة فيما ذكر.

ويمكن أن يقال: إن العالِم بسرّ القدر لا يكون شقياً، والشقي لا يكون عالماً به، فمن قال: " ان العلم بسر القدر يعطي النقيضين " فلا وجه له ظاهراً.

وأما ما قيل في بيان عدم الأسىٰ والفرح: ان الإنسان إذا علم أن ما فات منه ضمن الله تعالى العوض عليه في الآخرة، فلا ينبغي أن يحزن لذلك، وإذا علم أن ما ناله كُلّف الشكر عليه والحقوق الواجبة، فلا ينبغي أن يفرح لذلك، فكلام حسن محمود في المواعظ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8