الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمْرَأَتَينِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ }

عرض القرآن الكريم هذه القصة في إيجاز بليغ، ومع إيجازها فقد أوضحتْ مهمة المرأة في مجتمعها، ودور الرجل بالنسبة للمرأة، والضرورة التي تُلجىء المرأة للخروج للعمل. معنى { وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ.. } [القصص: 23] يعني: جاء عند الماء، ولا يقتضي الورود أن يكون شَرِب منه. والورود بهذا المعنى حلَّ لنا الإشكال في قوله تعالى:وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا.. } [مريم: 71] فليس المعنى دخول النار، ومباشرة حَرِّها، إنما ذاهبون إليها، ونراها جميعنا - إذن: وردْنا العَيْن. يعني: جئنا عندها ورأيناها، لكن الشرب منها، شيء آخر. { وَجَدَ عَلَيْهِ.. } [القصص: 23] أي: على الماء { أُمَّةً.. } [القصص: 23] جماعة { يَسْقُونَ.. } [القصص: 23] أي: مواشيهم { وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ.. } [القصص: 23] يعني: بعيداً عن الماء { ٱمْرَأَتَينِ تَذُودَانِ.. } [القصص: 23] أي: تكفّان الغنم وتمنعانها من الشُّرْب لكثرة الزحام على الماء { قَالَ مَا خَطْبُكُمَا.. } [القصص: 23] أي: ما شأنكما؟ وفي الاستفهام هنا معنى التعجُّب يعني: لماذا تمنعان الغنم أنْ تشربَ، وما أتيتُما إلا للسُّقْيا؟ { قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ } [القصص: 23]. وقولهما { حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ.. } [القصص: 23] يعني: ينصرفوا عن الماء، فصدر مقابل ورد، فالآتي للماء: وارد، والمنصرف عنه: صادر: نقول: صدر يَصْدُر أي: بذاته، وأصدر يُصْدر أي: غيره. فالمعنى: لا نَسْقي حتى يسقي الناس وينصرفوا. و { ٱلرِّعَآءُ.. } [القصص: 23] جمع رَاعٍ. ثم يذكران العلَّة في خروجهما لِسقْي الغنم ومباشرة عمل الرجال { وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ } [القصص: 23]. ثم يقول الحق سبحانه: { فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ... }.