الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ ٱلسَّلاَمُ ٱلْمُؤْمِنُ ٱلْمُهَيْمِنُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْجَبَّارُ ٱلْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ }

{ هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ ٱلسَّلَـٰمُ ٱلْمُؤْمِنُ ٱلْمُهَيْمِنُ ٱلْعَزِيزُ الجَبّارُ المتُتَكَبِرُّ }. القول في ضمير { هو } كالقول في نظيره في الجملة الأولى. وهذا تكرير للاستئناف لأن المقام مقام تعظيم وهو من مقامات التكرير، وفيه اهتمام بصفة الوحدانية. و { الملك } الحاكِم في الناس، ولا مَلِك على الإِطلاق إلاّ الله تعالى وأما وصف غيره بالمَلِك فهو بالإِضافة إلى طائفة معيَّنة من الناس. وعُقب وصفا الرحمة بوصف { الملك } للإِشارة إلى أن رحمته فضل وأنه مطلق التصرف كما وقع في سورة الفاتحة. و { القدوس } بضم القاف في الأفصح، وقد تفتح القاف قال ابن جنّي فَعُّول في الصفة قليل، وإنما هو في الأسماء مثل تَنُّور وسَفُّود وعَبُّود. وذكر سيبويه السَّبُّوح والقَدوس بالفتح، وقال ثعلب لم يَرد فَعُّول بضم أوله إلا القُدوس والسُّبوح. وزاد غيره الذُّرُّوح، وهو ذُباب أحمر متقطع الحمرة بسواد يشبه الزنبور. ويسمى في اصطلاح الأطباء ذباب الهند. وما عداهما مفتوح مثل سَفُّود وكَلُّوب. وتَنُّور وسَمُّور وشَبُّوط صنف من الحوت وكأنه يريد أن سبوح وقدوس صارا اسمين. وعقب بـ { القدوس } وصف { المَلِك } للاحتراس إشارة إلى أنه مُنزه عن نقائص الملوك المعروفة من الغرور، والاسترسال في الشهوات ونحو ذلك من نقائص النفوس. و { السلام } مصدر بمعنى المسالَمَة وُصف الله تعالى به على طريقة الوصف بالمصدر للمبالغة في الوصف، أي ذو السلام، أي السلامة، وهي أنه تعالى سالَمَ الخلقَ من الظلم والجور. وفي الحديث " إن الله هو السلام " ومنه السّلام. وبهذا ظهر تعقيب وصف { المَلِك } بوصف { السلام } فإنه بعد أن عُقب بـ { القدوس } للدلالة على نزاهة ذاته، عُقب بــــ { السلام } للدلالة على العدل في معاملته الخلق، وهذا احتراس أيضاً. و { المؤمن } اسم فاعل من آمن الذي همزته للتعدية، أي جعل غيره آمناً. فالله هو الذي جعل الأمان في غالب أحوال الموجودات، إذ خلق نظام المخلوقات بعيداً عن الأخطار والمصائب، وإنما تَعْرِض للمخلوقات للمصائب بعوارض تتركب من تقارن أو تضاد أو تعارض مصالح، فيرجَع أقواها ويَدحض أدناها، وقد تأتي من جرّاء أفعال الناس. وذكر وصف { المؤمن } عقب الأوصاف التي قبله إتمام للاحتراس من توهّم وصفه تعالى بـ { المَلِك } أنه كالملوك المعروفين بالنقائص. فأفيد أولاً نزاهة ذاته بوصف { القدوس } ، ونزاهة تصرفاته المغيَّبة عن الغدر والكَيد بوصف { المؤمن } ، ونزاهةُ تصرفاته الظاهرةِ عن الجور والظلم بوصف { السلام }. و { المهيمن } الرقيب بلغة قريش، والحافظ في لغة بقية العرب. واختلف في اشتقاقه فقيل مشتق من أمَنَ الداخل عليه همزة التعدية فصار آمَن وأن وزن الوصفِ مُؤَيْمِن قلبت همزته هاء، ولعل موجب القلب إرادة نقله من الوصف إلى الاسمية بقطع النظر عن معنى الأمن، بحيث صار كالاسم الجامد. وصار معناه رقب ألا ترى أنه لم يبق فيه معنى إلا من الذين في المؤمن لمّا صار اسماً للرقيب والشاهد، وهو قلب نادر مثل قلب همزة أراق إلى الهاء فقالوا هَراق، وقد وضعه الجوهري في فصل الهمزة من باب النون ووزنه مفَعْلِل اسم فاعل من آمن مثل مُدحرج، فتصريفه مُؤَأْمِن بهمزتين بعد الميم الأولى المزيدة، فأبدلت الهمزة الأولى هاء كما أبدلت همزة آراق فقالوا هراق.

السابقالتالي
2 3