الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ } * { هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ ٱلسَّلاَمُ ٱلْمُؤْمِنُ ٱلْمُهَيْمِنُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْجَبَّارُ ٱلْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَالِقُ ٱلْبَارِىءُ ٱلْمُصَوِّرُ لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

قال الجمل لما وصف - تعالى - القرآن بالعظم، ومعلوم أن عظم الصفة تابع لعظم الموصوف، أتبع ذلك بوصف عظمته - تعالى - فقال { هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } أى هو الله الذى وجوده من ذاته، فلا عدم له بوجه من الوجوه، فلا شىء يستحق الوصف بهذا غيره، لأنه هو الموجود أزلا وأبدا، فهو حاضر فى كل ضمير، غائب بعظمته عن كل حس، فلذلك تصدع الجبل من خشيته. أى هو المعبود الذى لا تنبغى العبادة والألوهية إلا له، الذى لا إله إلا هو، فإنه لا مجانس له، ولا يليق ولا يصح، ولا يتصور، أن يكافئه أو يدانيه شىء... وقوله { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ } أى هو - سبحانه - العليم علما تاما بما غاب عن أذهان الخلائق وعقولهم، وبما هو حاضر ومشاهد أمام أعينهم. فالمراد بالغيب كل ما غاب عن إحساس الناس وعن مداركهم.. والمراد بالشهادة ما يشاهدونه بعيونهم، ويدركونه بعقولهم.. والتعريف فيهما للاستغراق الحقيقى، لأن الله - تعالى - لا يخفى عليه شىء فى هذا الكون. وقوله - تعالى - { هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ } أى هو العظيم الرحمة الدائمها، لأن لفظ { ٱلرَّحْمَـٰنُ } صيغة مبالغة لكثرة الشىء وعظمته، ولفظ { ٱلرَّحِيمُ } صيغة تدل على الدوام والاستمرار. وقوله - سبحانه - { هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ... } تأكيد لأمر التوحيد لأن مقام التعظيم يقتضى ذلك. ثم عدد - سبحانه - بعد ذلك بعض أسمائه الحسنى، وصفاته الجليلة فقال { ٱلْمَلِكُ } أى المالك لجميع الأشياء، والحاكم على جميع المخلوقات والمتصرف فيها تصرف المالك فى ملكه. { ٱلْقُدُّوسُ } أى المنزه عن كل نقص، البالغ أقصى ما يتصوره العقل فى الطهارة وفى البعد عن النقائص والعيوب، وعن كل مالا يليق. من القدس بمعنى الطهارة، والقدَس - بفتح الدال - اسم للإِناء الذى يتطهر به ومنه القادوس. وجاء لفظ القدوس بعد لفظ الملك، للإِشعار بأنه - تعالى - وإن كان مالكا لكل شىء، إلا أنه لا يتصرف فيما يملكه تصرف الملوك المغرورين الظالمين، وإنما يتصرف فى خلقه تصرفا منزها عن كل ظلم ونقص وعيب.. { ٱلسَّلاَمُ } أى ذو السلامة من كل ما لا يليق، أو ذو السلام على عباده فى الجنة، كما قال - تعالى -سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } { ٱلْمُؤْمِنُ } أى الذى وهب لعباده نعمة الأمان والاطمئنان، والذى صدق رسله بأن أظهر على أيديهم المعجزات التى تدل على أنهم صادقون فيما يبلغونه عنه. { ٱلْمُهَيْمِنُ } أى الرقيب على عباده، الحافظ لأقوالهم وأفعالهم وأحوالهم، من الأمن، ثم قلبت همزته هاء، وقيل أصله هيمن بمعنى رقب، فهاؤه أصلية. { ٱلْعَزِيزُ } أى الذى يغلب غيره، ولا يتجاسر على مقامه أحد.

السابقالتالي
2 3