الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ }

خبر ثان للمبتدأ أو نعت لناضرة و { إِلَىٰ رَبِّهَا } متعلق بناظرة وصح وقوع النكرة مبتدأ لأن الموضع موضع تفصيل كما في قوله:
فيوم لنا ويوم علينا   ويوم نساء ويوم نسر
لا على أن النكرة تخصصت بيومئذٍ كما زعم ابن عطية لأن ظرف الزمان لا يكون صفة للجثث، ولا على أن { نَاضِرَةٌ } صفة لها والخبر { نَاظِرَةٌ } كما قيل لما أن المشهور الغالب كون الصفة معلومة الانتساب إلى الموصوف عند السامع وثبوت النظرة للوجوه ليس كذلك فحقه أن يخبر به. نعم ذكر هذا غير واحد احتمالاً في الآية، وقال فيه أبو حيان هو قول سائغ.

ومعنى كونها ناظرة إلى ربها أنها تراه تعالى مستغرقة في مطالعة جماله بحيث تغفل عما سواه وتشاهده تعالى على ما يليق بذاته سبحانه ولا حجر على الله عز وجل وله جل وعلا التنزه الذاتي التام / في جميع تجلياته. واعترض بأن تقديم المعمول يعني { إِلَىٰ رَبِّهَا } يفيد الاختصاص كما في نظائره في هذه السورة وغيرها وهو لا يتأتى لو حمل ذلك على النظر بالمعنى المذكور ضرورة أنهم ينظرون إلى غيره تعالى، وحيث كان الاختصاص ثابتاً كان الحمل على ذلك باطلاً، وفيه أن التقديم لا يتمحض للاختصاص كيف والموجب من رعاية الفاصلة والاهتمام قائم، ثم لو سلم فهو باق بمعنى أن النظر إلى غيره تعالى في جنب النظر إليه سبحانه لا يعد نظراً كما قيل في نحوذَلِكَ ٱلْكِتَابُ } [البقرة: 2] على أن ذلك ليس في جميع الأحوال بل في بعضها وفي ذلك، الالتفات إلى ما سواه جل جلاله فقد أخرج مسلم والترمذي عن صهيب عن النبـي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تعالى تريدون شيئاً أزيدكم فيقولون ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار قال فيكشف الله تعالى الحجاب فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم " وفي حديث جابر وقد رواه ابن ماجه " فينظر إليهم وينظرون إليه فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم " ومن هنا قيل:
فينسون النعيم إذا رأوه   فيا خسران أهل الاعتزال
وكثيراً ما يحصل نحو ذلك للعارفين في هذه النشأة فيستغرقون في بحار الحب وتستولي على قلوبهم أنوار الكشف فلا يلتفتون إلى شيء من جميع الكون:
فلما استبان الصبح أدرج ضوءه   بأسفاره أنوار ضوء الكواكب
وقيل الكلام على حذف مضاف أي إلى ملك أو رحمة أو ثواب ربها ناظرة والنظر على معناه المعروف، أو على حذف مضاف والنظر بمعنى الانتظار فقد جاء لغة بهذا المعنى أي إلى إنعام ربها منتظرة.

السابقالتالي
2