الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ آيَاتِ ٱللَّهِ هُزُواً وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَآ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ ٱلْكِتَابِ وَٱلْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

هذا حكم جديد غير ما تقدّم في قوله:ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَٰنٍ } [البقرة: 229] فهذه الآية بيان للواجب في معاملة المطلّقات، ونهي عن ضدّه، ووعيد على هذا الضدّ، وإرشاد إلى المصلحة، والحكمة في الائتمار بذلك الأمر والإنتهاء عن هذا النهي. وتلك بيان لكيفية الطلاق المشروع وعدده وكون الأصل فيه أن يكون بغير عوض، وكون أخذ العوض من المرأة لا يحلّ إلاّ بشرط. ولا ينافي هذا ما ورد في سبب نزولها وذكرناه في تفسيرها، وهو أليق بهذه، فإنّ هذه الآيات كلّها نزلت في إبطال ما كان عليه الناس من سوء معاملة النساء في الطلاق، فجميع الوقائع التي كانت تقع على العادات الجاهلية كانت تعدّ من أسباب النزول لها، وقد ورد في أسباب نزول هذه ما نقله السيوطي في كتابه عن ابن جرير وهو في معنى رواية الترمذي والحاكم هناك قال: أخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عبّاس قال: كان الرجل يطلّق امرأته ثمّ يراجعها قبل انقضاء عدّتها، ثمّ يطلّقها، ثمّ يفعل ذلك يضارّها ويعضلها فأنزل الله هذه الآية. وأخرج عن السدي قال نزلت في رجل من الأنصار يدعى ثابت بن يسار طلّق امرأته حتّى انقضت عدّتها إلاّ يومين أو ثلاثة راجعها ثمّ طلّقها مضارّة فأنزل الله تعالى: { وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِّتَعْتَدُواْ } اهـ. ولا تحسبنّ أنّ قوله تعالى: { وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ } نزل وحده، بل القول فيه كالقول في مجموع هذه الآيات في مسائل الطلاق، نزلت كلّها مرّة واحدة فيما يظهر من سياقها، ولكن بعد وقوع حوادث جعلت من أسبابها.

الأجل في قوله تعالى: { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } هو زمن العدّة، ومعنى بلغن أجلهنّ قاربن إتمام العدّة، قال القرطبي هذا إجماع لم يفهم أحد من الآية غيره، وهو مبني على قاعدة ما قارب الشيء يعطى حكمه تجوّزاً قرينته العرف: يقول المسافر بلغنا البلد أو وصلنا إليه إذا دنا منه وشارفه. وقوله: { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } معناه فاعزموا أحد الأمرين - إمساك المرأة بالمراجعة أو إطلاق سبيلها - وليكن ما تختارونه من أحد الأمرين بالمعروف الذي شرّع لكم في آية الطلاق مرّتان { وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِّتَعْتَدُواْ } أي ولا تراجعوهن إرادة مضارّتهنّ وإيذائهنّ للإعتداء عليهنّ بتعمّد ذلك، فالضرار بمعنى الضرر، وذكر بالصيغة التي تأتي للمشاركة للإشعار بأنّ ضرّه إيّاها يستلزم ضرّها إيّاه، فالرجال يضرّون أنفسهم بإيذاء النساء، ويؤيّد هذا قوله { وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } في الدنيا بسلوك طرق الشرّ والاعتداء، التي لا راحة لضمير صاحبها، ويجعل المرأة وعصبتها أعداء له يناصبونه ويناوئونه، والعدو القريب أقدر على الإيذاء من العدو البعيد. وبتنفير الناس منه، حتّى يوشك ألا يصاهره أحد، وظلم نفسه في الأخرى أيضاً بما خالف أمر الله وتعرّض لسخطه.

السابقالتالي
2 3 4