الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُمْ بِٱلْمَعْرُوفِ ذٰلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ذٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }

{ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } الأجل: آخر المدّة المضروبة، والمراد به انقضاء العدّة، لا قربها كما في الآية التي قبلها. قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: دلّ سياق الكلامين على افتراق البلوغين، ذلك إنّ الإمساك بمعروف والتسريح بمعروف في الآية السابقة، لا يتأتّى بعد انقضاء العدّة؛ لأنّ انقضاءها إمضاء للتسريح، لا محلّ معه للتخيير، وإنّما التخيير يستمرّ إلى قرب انقضائها، والنهي عن العضل في هذه الآية، يقتضي أنّ المراد ببلوغ الأجل انقضاؤها، إذ لا محلّ للعضل قبله لبقاء العصمة { فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ } حكم جديد غير الأحكام السابقة، هو تحريم العضل، أي منع المرأة من الزواج، وقد كان من عادات الجاهلية أن يتحكّم الرجال في تزويج النساء، إذ لم يكن يزوّج المرأة إلاّ وليّها، فقد يزوجها بمن تكره ويمنعها ممّن تحبّ لمحض الهوى، وقال المفسّرون: إنّ الرجال المطلّقين كانوا يفعلون ذلك، بتحكم الرجل بمطلقته فيمنعها أن تتزوّج أنفة وكبراً أن يرى امرأته تحت غيره، فكان يصدّ عنها الأزواج بضروب من الصدّ والمنع، كما كان يراجعها في آخر العدّة لأجل العضل، وقد أثبت الإسلام الولاية للأقربين، وحرّم العضل وهو المنع من الزواج، وأن يزوّج الولي المرأة بدون إذنها، فجمع بين المصلحتين.

وقد اختلف المفسّرون في الخطاب هنا، فقيل هو للأزواج، أي لا تعضلوا مطلّقاتكم أيّها الأزواج بعد انقضاء العدّة أن ينكحن أزواجهنّ، واضطرّ أصحاب هذا القول إلى جعل الأزواج بمعنى الرجال الذين سيكونون أزواجاً. وقيل هو للأزواج والأولياء على التوزيع، وقالوا لا بأس بالتفكيك في الضمائر لظهور المراد وعدم الاشتباه، وقيل للأولياء، واستدلّوا بما ورد في سبب نزول الآية في الصحيح، أخرج البخاري وأصحاب السنن وغيرهم بأسانيد شتّى من حديث معقل بن يسار قال: كان لي أخت فأتاني ابن عمّ لي فأنكحتها إياه، فكانت عنده ما كانت، ثمّ طلّقها تطليقة ولم يراجعها، حتّى انقضت العدّة، فهويها وهويته، ثمّ خطبها مع الخطّاب، فقلت له يا لكع أكرمتك بها وزوّجتكها فطلّقتها ثمّ جئت تخطبها؟ والله لا ترجع إليك أبداً، وكان رجلا لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فعلم الله حاجته إليها وحاجتها إلى بعلها، فأنزل الله هذه الآية قال: ففيّ نزلت فكفّرت عن يميني وأنكحتها إيّاه. وفي لفظ فلمّا سمعها معقل قال: سمعاً لربّي وطاعة، ثمّ دعاه فقال: أزوّجك وأكرمك، وذلك إنّ النبي صلى الله عليه وسلم دعاه فتلا عليه الآية. ومن هنا تعرف خطأ من قال إنّ إسناد النكاح إلى النساء هنا يفيد أنّهنّ هنّ اللواتي يعقدن النكاح، فإنّ هذا الإسناد يطلق في القديم والحديث على من زوّجها وليّها، كانوا يقولون: نكحت فلانة فلاناً كما يقولون حتّى الآن تزوّجت فلانة بفلان، وإنّما يكون العاقد وليّها.

السابقالتالي
2 3 4 5