الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

المراد بالوالدات الأمهات سواء أكن فى عصمة أزواجهن أم مطلقات لأن اللفظ عام فى الكل ولا يوجد ما يقتضى تخصيصه بنوع من الأمهات. ويرى بعض المفسرين أن المراد بالوالدات هنا خصوص المطلقات لأن سياق الآيات قبل ذلك فى أحكام الطلاق، ولأن المطلقة عرضة لإِهمال العناية بالولد وترك إرضاعه. وحولين أى عامين. وأصل الحول - كما يقول الراغب - تغير الشىء وانفصاله عن غيره. والحول السنة اعتباراً بانقلابها ودوران الشمس فى مطالعها ومغاربها. قال - تعالى - { وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ }. ومنه حالت السنة تحول وحالت الدار تغيرت، وأحال فلان بمكان كذا أى أقام به حولا ". وعبر عن الأمهات بالوالدات، للإِشارة إلى أنهن اللائى ولدن أولادهن، وأنهن الوعاء الذى خرجوا منه إلى الحياة، ومنهن يكون الغذاء الطبيعى المناسب لهذا المولود الذى جاء عن طريقهن. وقوله { يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ } جملة خبرية اللفظ إنشائية المعنى، إذ التقدير ليرضعن. أى عليهن إرضاع أولادهن. وعبر عن الطلب بصيغة الخبر، للإِشعار بأن إرضاع الأم لطفلها عمل توجبه الفطرة، وتنادى به طبيعة الأمومة. قال الجمل وهذا الأمر للندب وللوجوب، فهو يكون للندب عند استجماع شروط ثلاثة، قدرة الأب على استئجار المرضع، ووجود من يرضعه غير الأم، وقبول الولد للبن الغير. ويكون للوجوب عند فقد أحد هذه الشروط. وليس التحديد بالحولين للوجوب، لأنه يجوز الفطام قبل ذلك، بدليل قوله { لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ } وإنما المقصود بهذا التحديد قطع التنازع بين الزوجين إذا تنازعا فى مدة الرضاع، فإذا اتفق الأب والأم على أن يفطما ولدهما قبل تمام الحولين كان لهما ذلك إذا لم يتضرر الولد بهذا الفطام، وإن أراد الأب أن يفطمه قبل الحولين ولم ترض الأم أو العكس لم يكن لأحدهما ذلك. قال القرطبى ما ملخصه وقد انتزع مالك - رحمه الله - ومن تابعه وجماعة من العلماء من هذه الآية أن الرضاعة المحرمة الجارية مجرى النسب إنما هى ما كان فى الحولين، لأنه بانقضاء الحولين تمت الرضاعة، ولا رضاعة بعد الحولين معتبرة.. لقوله - تعالى - { وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } فهذا يدل على ألا حكم لما ارتضع المولود بعد الحولين. وروى سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا رضاع إلا ما كان فى الحولين " وهذا الخبر مع الآية ينفى رضاعة الكبير وأنه لا حرمة له. وقد روى عن عائشة القول به، وروى عن ابن أبى موسى الأشعرى أنه كان يرى رضاع الكبير. وروى عنه الرجوع عنه. وسيأتى تحقيق هذه المسألة فى سورة النساء ".

السابقالتالي
2 3 4