الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

{ والَّذِينَ يُتوفَّوْنَ مِنْكُم } بالبناء للمفعول، أى يقبضون، أى تقبض أرواحهم بالبناء للمفعول، والفاعل الله أو الملائكة، وإن شئت فقل معناه يماتون بالبناء للمفعول، وأصل التوفى أخذ الشئ وافياً كاملاً، وكذلك قد أخذ الله أو الملك من كمل عمره، وقرأ على وعاصم من رواية الفضل عنه بفتح الياء بنا للفاعل، وهو الواو، أى يستوفون آجالهم، وقيل لا يصح ذلك عن على، بل حكى أن أبا الأسود الدؤلى كان يمشى خلف جنازه، فقال له رجل من المتوفٍّى، وكسر الفاء، فقال الله! فكان ذلك من جملة الأسباب الباعث لعلى على أن أمر أبا الأسود أن يضع كتابا فى النحو، فهذه الحكاية تنفى أن يقرأ على بالبناء للفاعل. { وَيَذَرُون أزْواجاً } يتركون أزواجا زوج بمعنى المرأة المقارنة لزوجها، وكل زوجة كذلك، والأكثر فى المفرد زوج بلا تاء، ويدل عليه أيضا الجمع على أزواج، فإن جمع المقرون بالفاء على أفعال لا يصح، وحفظت شاذا جاء على أفعال وهو بالتاء فى قول الجوهرى، وهو صفات، قال الجوهرى تجمع على أصفاء وشمل الأزواج الكتابيات، لأن الصحيح أن المشركين مخاطبون بفرع الإيمان، وقال أبو حنيفة لم يخاطبوا بها فلو تزوجت قبل عدة الوفاة لم تفرق عنده. { يَتَربَّصَّنَ } ينتظرن. { بِأنفُسِهنَّ } أى يقهرن أنفسهن بالتأخر عن التزوج وعن التزين، ومقدمات التزوج والنكاح، كالخطبة، وعن الخروج إلا لما لا بد منه، والذين مبتدأ وجملة يتربصن خبره، والرابط محذوف، أى يتربصن بعدهم أو بعد توفيهم، كقول العرب السمن منوان بدرهم، فمنوان بدرهم مبتدأ وخبر، والجملة خبر السمن، ورابطها محذوف، أى منوان منه أو حذف المضاف، وناب الذين عنه فروعى فى الربط ذلك المضاف المحذوف لا المضاف إليه، فالرابط النون من { يتربصن } والتقدير وأزواج الذين يتوفون منكم ويذرونهن يتربصن، ولما حذف أظهر مفعول يذرون وهو أزواجا لم يجعل ضميراً، إذ لم يظهر مرجعه، ويجوز ألا يقدر مضاف، ويحصل الرابط مع ذلك بالنون من حيث إنها عائدة إلى أزواج الذين يتوفون، ألا ترى أنه لو قيل تتربص أزواجهم. { أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وعَشْراً } عشر ليال ودخل النهار العاشر عند الجمهور. وقرأ ابن عباس وعشرة أيام لا أيام بدليل أنه لم يقل وعشرة، وهكذا تغلب الليالى بالذكر لأنها مبتدأ الشهور والأيام، وناسب هنا أن ذلك العدد أيام حزن على زوجها، وترك الزينة، فالنهار أيضاً كالليل إلا الحوامل، فعدتهن أن يضعن حملهن وإلا الأمة فشهران وخمسة أيام، وقال أبو بكر الأصح هى كالحرة وعن على عدة الحامل المتوفى عنها أقصى الأجلين إن وضعت قبل أربعة أشهر وعشراً، وقيل شهرين وخمس إن كانت أمه تربصت حتى تتم ذلك، وإن مضى ذلك ولم تضع، فحتى تضع، وكذا قال ابن عباس، وبقولهما نأخذ، وعليه نعتمد وهو أحوط، وبه قال سحنون وابن أبى يعلى، والقول الأولى لأبى هريرة، واختلف النقل عن ابن مسعود.

السابقالتالي
2 3 4 5 6