الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ }

{ فَإنْ خِفْتُمْ } أي: فإن كان بكم خوف من عدوّ أو غيره { فَرِجَالاً } أي: فصلُّوا راجلين، أي: ماشين على الأقدام - يقال: رَجِلَ كفرح - فهو راجل، ورجل - بضم الجيم - ورجل - بكسرها - ورجل - بفتحها - ورَجِيل ورَجْلان إذا لم يكن له ظهر في سفر يركبه فمشى على قدميه. والجمع رجال ورَجَّالة ورَجّال - كرمّان - { أَوْ رُكْبَاناً } ، أي: راكبين، فيعفى عن كثرة الأفعال وإتمام الركوع والسجود واستقبال القبلة. وهذا من رخص الله تعالى التي رخّص لعباده، وَوَضْعِهِ الآصار والأغلال عنهم. وقد رويت صلاة الخوف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفات مختلفة مفصّلة في كتب السنة، وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم كان يتحرى في كل موطن ما هو أحوط للصلاة وأبلغ في الحراسة.

قال الرازي: صلاة الخوف قسمان: أحدهما: أن تكون في حال القتال - وهو المراد بهذه الآية؛ والثاني: في غير حال القتال وهو المذكور في سورة النساء في قوله تعالى:وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلَٰوةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ } [النساء: 102].

وقد روى مالك عن نافع: أنّ ابن عمر كان إذا سئل عن صلاة الخوف، وصفها ثم قال: فإن كان خوف أشدّ من ذلك صلّوا رجالاً على أقدامهم أو ركباناً مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها.

قال نافع: لا أرى ابن عمر ذكر ذلك إلا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. رواه الشيخان.

ولمسلم أيضاً عن ابن عمر قال: فإن كان خوف أشدّ من ذلك فصلّ راكباً أو قائماً تومئ إيماءً.

وأخرج الإمام أحمد وأبو داود، بإسنادٍ جيد، عن عبد الله بن أنيس الجهنيّ قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خالد بن سفيان الهذليّ - وكان نحو عُرَنَةَ وعرفات - فقال: اذهب فاقتله. قال: فرأيته - وحضرت صلاة العصر - فقلت: إني لا أخاف أن يكون بيني وبينه ما إن أؤخر الصلاة، فانطلقت أمشي وأنا أصلي أومئ إيماءَ نحوه، فلما دنوت منه قال لي: من أنت؟ قلت: رجل من العرب بلغني أنك تجمع لهذا الرجل فجئتك في ذلك، قال: إني لفي ذلك. فمشيت معه ساعة. حتى إذا أمكنني علوته بسيفي حتى برد وهذا نص أبي داود.

وأخرج الطيالسيّ وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والنسائيّ وأبو يعلى والبيهقيّ عن أبي سعيد الخدريّ قال: كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق فشغلنا عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء حتى كفينا ذلك. وذلك قوله:وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْقِتَالَ } [الأحزاب: 25]. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً فأقام لكلّ صلاةٍ إقامة، وذلك قبل أن ينزل عليه { فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً }.

السابقالتالي
2