الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ }

قوله تعالى: { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً }: فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنَّ " ضَرَبَ " متعديةٌ لواحدٍ، بمعنى: اعتمد مثلاً، ووضَعَه، و " كلمةً " على هذا منصوبةٌ بمضمرٍ، أي: جعل كلمةً طيبةً كشجرةٍ طيبة، وهو تفسيرٌ لقولِه { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً } كقولك: " شرَّفَ الأميرُ زيداً ساه حُلَّة، وحمله على فرس " ، وبه بدأ الزمخشري. قال الشيخ: " وفيه تكلُّفُ إضمار لا ضرورةَ تدعو إليه ". قلت: بل معناه إليه فيُضطرُّ إلى تقديرِهِ محافظةً على لَمْح هذا المعنى الخاصِّ.

الثاني: أنَّ " ضَرَب " متعديةٌ لاثنين لأنها بمعنى " صَيَّر " ، لكنْ مع لفظ " المَثَل " خاصة، وقد تقدَّم تقريرُ هذا أولَ هذا الموضوعِ، فتكون " كلمةً " مفعولاً أولَ، و " مَثَلاً " هو الثاني، فيما تقدَّم.

الثالث: أنه متعدٍّ لواحدٍ وهو " مَثَلاً " و " كلمةً " بدلٌ منه، و " كشجرةٍ " خبرُ مبتدأ مضمرٍ، أي: هي كشجرةٍ طيبةٍ، وعلى الوجهين قبله تكون " كشجرةٍ " نعتاً لـ " كلمة ".

وقُرِئ " كلمةٌ " بالرفع، وفيها وجهان. أحدهما: أنها خبرُ مبتدأ مضمر، أي: هو، أي: المَثَلُ كلمةٌ طيبةٌ، " كشجرةٍ " على هذا نعتاً لكلمة. والثاني: أنها مرفوعةٌ بالابتداء، و " كشجرةٍ " خبرُه.

وقرأ أنس بن مالك " ثابتٍ أصلُها ". قال الزمخشري: " فإن قلت: أيُّ فرقٍ بين القراءتين؟ قلت: قراءةُ الجماعةِ أقوى معنىً؛ لأنَّ قراءةَ أنسٍ أُجْرِيَتِ الصفةُ على " الشجرة " / وإذا قلت: " مررتُ برجلٍ أبوه قائمٌ " فهو أقوى مِنْ " برجل قائمٍ أبوه " لأنَّ المُخْبَرَ عنه إنما هو الأبُ لا رجل ".

والجملةُ مِنْ قولِه " أصلُها ثابتٌ " في محلِّ جرّ نعتاً لشجرة.