الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ يَامُوسَىۤ إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَآ أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ }

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { قَالُواْ يَامُوسَىۤ إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَآ أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا }؛ وذلك أنَّ موسَى لَمَّا أمرَهم من قولِ الرَّجُلينِ أن يدخلُوا قريةَ الجبَّارين، قالَتْ لهُ بَنُو إسرائيلَ: أتُكَذِّبُ الْعَشْرَةَ وَتُصَدِّقُ الاثنين، إنَّا لاَ نَدْخُلُهَا أبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا، { فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ }؛ مُنْتَظِرِيْنَ، فقولُهم: اذْهَبْ أنْتَ وَرَبُّكَ، احتملَ أنَّهم قالوا ذلكَ على وجهِ الْمَجَاز على معنى: وَرَبُّكَ مُعِيْنٌ لكَ، وكان هذا القولُ فِسقاً منهم مِن امتناعِهم عن الْمُضِيِّ إلى أمرِ الله.

وَقِيْلَ: يحتملُ أنَّهم عَنَوا بذلكَ الذهابَ ذهابَ النُّقْلَةِ، وهذا تشبيهٌ وكُفْرٌ مِن قائلهِ، وهو أقربُ إلى معنى كلامِهم؛ لأنَّ كلامَ اللهِ تعالى خَرَجَ مخرجَ الإنكار عليهم، والتَّعَجُّب من جَهْلِهِمْ.

وعن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ لَمَّا أرَادَ الْخُرُوجَ إلَى بَعْضِ الْغَزَوَاتِ اسْتَشَارَ سَعْدَ بْنَ مَعَاذٍ وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ ذلِكَ؛ فَقَالاَ: (إنَّا لَنْ نَقُولَ لَكَ مِثْلَ مَا قَالَتْ بَنُو إسْرَائِيِلَ لِمُوسَى: إذْهَبْ أنْتَ وَرَبُّكَ فَإنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ، وَلَكِنَّّا نَقُولُ: إذْهَبْ فَقَاتِلْ عَدُوَّكَ إنَّا مَعَكَ مُقَاتِلُونَ).

وفِي بعضِ الرِّواياتِ قالُوا: (أقْعُدْ أنْتَ فَإنَّا بأَمْرِكَ مُقَاتِلُونَ). وقال الْمِقْدَادُ ابنُ الأَسْوَدِ: ((إنَّا وَاللهِ لاَ نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَتْ بَنُو إسْرَائِيْلَ لِمُوسَى: (إذْهَبْ أنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ) وَلَكِنَّا نَقُولُ: نُقَاتِلُ عَنْ يَمِيْنِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ وَبَيْنَ يَدَيْكَ وَخَلْفَكَ، وَلَوْ خُضْتَ بنَا الْبَحْرَ لََخُضْنَاهُ مَعَكَ، وَلَوْ عَلَوْتَ جَبَلاً لَعَلَوْنَاهُ مَعَكَ. فَأَشْرَقَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِذلِكَ وَسَرَّهٌ)).