الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ } * { هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ ٱلسَّلاَمُ ٱلْمُؤْمِنُ ٱلْمُهَيْمِنُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْجَبَّارُ ٱلْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَالِقُ ٱلْبَارِىءُ ٱلْمُصَوِّرُ لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

{ هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } أي: المعبود الذي لا تنبغي العبادة والإلوهية إلا له { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ } أي: ما غاب عن الحس وما شوهد { هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ } أي: المنعم بالنعم العامة والخاصة. ومن كان مطلعاً على الأسرار يحب أن يخشع له، ويخشى منه، لاسيما من حيث كونه منعماً. إذ حق المنعم أن يخشع له، ويخشى أن تسلب نعمه { هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْمَلِكُ } أي: الغنيّ المطلق الذي يحتاج إليه كل شيء، المدبر للكل في ترتيب نظام لا أكمل منه { ٱلْقُدُّوسُ } أي: المنزه عما لا يليق بجلاله، تنزهاً بليغاً { ٱلسَّلاَمُ } أي: الذي يسلم خلقه من ظلمه، أو المبرأ عن النقائص كالعجز { ٱلْمُؤْمِنُ } أي: لأهل اليقين بإنزال السكينة، ومن فزع الآخرة { ٱلْمُهَيْمِنُ } أي: الرقيب على كل شيء باطلاعه واستيلائه وحفظه { ٱلْعَزِيزُ } أي: القويّ الذي يَغلب ولا يُغلب { ٱلْجَبَّارُ } أي: الذي تنفذ مشيئته على سبيل الإجبار في كل أحد، ولا تنفذ فيه مشيئة أحد، والذي لا يخرج أحد عن قبضته - قاله الغزاليّ في (المقصد الأسنى).

وقال الإمام ابن القيّم في (الكافية الشافية):
وكذلك (الجبارُ) من أوصافه   والجبر في أوصافه قِسْمَانِ
جبرُ الضعيف وكل قلب قد غدا   ذا كسرة، فالجبرُ منه دانيِ
والثانِ جبر القهر بالعزّ الذي   لا ينبغي لسواه من إنسانِ
وله مسمَّى ثالثٌّ وهو العلـ   ـوّ فليس يدنو منه من إنسانِ
من قولهم (جبّارةٌ) للنخلة الـ   ـعليا التي فاتَتْ بكل بَنَانِ
{ ٱلْمُتَكَبِّرُ } أي: الذي يرى الكل حقيراً بالإضافة إلى ذاته، ولا يرى العظمة والكبرياء إلا لنفسه، فينظر إلى غيره نظر الملوك إلى العبيد. { سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } أي: من الأوثان والشفعاء. { هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَالِقُ } أي: المقدّر للأشياء على مقتضى حكمته. { ٱلْبَارِىءُ } أي: الموجد لها بعد عدم. { ٱلْمُصَوِّرُ } أي: الكائنات كما شاء. { لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ } أي: الدالة على محاسن المعاني، وأحاسن الممادح. { يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } أي: في تدبيره خلقه، وصرفهم فيما فيه صلاحهم وسعادتهم.

تنبيهات

الأول: قال السيد ابن المرتضى في (إيثار الحق): مقام معرفة كمال الرب الكريم، وما يجب له من نعوته وأسمائه الحسنى، من تمام التوحيد الذي لا بد منه؛ لأن كمال الذات بأسمائها الحسنى، ونعوتها الشريفة. ولا كمال لذات لا نعت لها ولا اسم. ولذلك عُدَّ مذهب الملاحدة في مدح الرب بنفيها من أعظم مكايدهم للإسلام، فإنهم عكسوا المعلوم عقلاً وسمعاً فذموا الأمر المحمود، ومدحوا الأمر المذموم القائم مقام النفي، والجحد المحض، وضادّوا كتاب الله ونصوصه الساطعة. قال الله جل جلاله:وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ أَسْمَآئِهِ }

السابقالتالي
2