قوله تعالى: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ تَنزِيلاً } أي: فصلناه في الإنزال، ولم نُنزله جملة واحدة. وقد أشرنا إلى حكمة ذلك فيما مضى. قوله تعالى: { فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ } مُفسّر في مواضع. وبعض المفسرين يقولون: هو منسوخ بآية السيف. وقد ذكرنا صواب القول في هذا وأمثاله. { وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ } أي: من مشركي مكة { ءَاثِماً } وهو عتبة بن ربيعة، { أَوْ كَفُوراً } يريد: الوليد بن المغيرة. وكانا قالا له: ارجع عن هذا الأمر ونحن نرضيك بكل ما تريد، من مال ورئاسة وغيرهما. وقيل: الصفتان لأبي جهل. فإن قيل: ما الفائدة في " أو " ، وهلاّ قال: آثماً وكفوراً؛ ليكون نهياً عن طاعتهما جميعاً؟ قلتُ: هذه أو التي للتخيير، إذا قلت: اضرب زيداً أو عَمْراً، فمعناه: اضرب أحدهما. فإذا قلت: لا تضرب زيداً أو عمراً، فمعناه: لا تضرب أحدهما. فالمعنى هاهنا: لا تُطع أحدهما، فيكون منهياً عن طاعتهما معاً بطريق الفحوى، كقوله:{ فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ } [الإسراء: 23]، بخلاف قوله: لا تطعهما، فإنه يجوز من حيث اقتضاء الوضع أن يطيع أحدهما، وليس في فحوى الخطاب ما يقتضي المدلول الذي ذكرناه في قوله: لا تطع أحدهما. قوله تعالى: { وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ } أي: اذكره بالتعظيم والتنزيه { بُكْرَةً وَأَصِيلاً }. قال المفسرون: يعني: اذكره في صلاة الفجر، وصلاة العصر. وبعضهم يقول: الظهر والعصر. { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَٱسْجُدْ لَهُ } يريد: صلاة المغرب والعشاء، { وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً } يريد: صلاة الليل، وكانت فرضاً عليه، وهي نافلة لأمته. قوله تعالى: { إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ يُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ } يعني: كفار مكة، أي: يؤثرون الدار العاجلة وهي الدنيا، { وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمْ } أي: قدّامهم. وقيل: يدعون خلف ظهورهم لا يعبؤون به { يَوْماً ثَقِيلاً } عسيراً شديداً. قوله تعالى: { نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ } أصلُ الأسْر: الرَّبْطُ والتَّوثيق، ومنه: أُسِرَ الرجل؛ إذا أوثق بالقِدّ، وفرسٌ مأسور به الحق، وترس مأسور بالعقب. والمعنى: شددنا خلقهم وأحكمنا أوصالهم بعضها إلى بعض بالعروق والعصب. { وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَآ أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً } يعني: إذا شئنا أهلكناهم وأتينا بأمثالهم، فجعلناهم بدلاً منهم. قوله تعالى: { إإِنَّ هَـٰذِهِ } يعني: السورة أو الآيات القريبة. والآية مُفسّرة في المزمل. قوله تعالى: { وَمَا تَشَآءُونَ } قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو: " يشاؤون " بالياء؛ حملاً على قوله: { فمن شاء } ، وقوله: { نحن خلقناهم } ، وما في حيزها. وقرأ الباقون بالتاء، على الخطاب العام لجميع الخلق. والمعنى: وما يشاؤون اتخاذ السبيل وغيره، { إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } أنهم لا يشاؤون شيئاً إلا بمشيئة الله تعالى. { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }. { يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ } قال عطاء: من صدّق نبيه أدخله جنته. { وَٱلظَّالِمِينَ } يريد: المشركين، ونصبه بفعل مُضْمر يُفسِّره ما بعده. وقرأ جماعة، منهم: ابن الزبير، وأبو العالية، وأبو الجوزاء، وابن أبي عبلة: " والظالمون " بالرفع على الابتداء، { أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }.