قوله تعالى: { إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ } يريد: يوم القيامة { كَانَ مِيقَاتاً } لما وعد الله من الثواب وأوعد من العقاب. { يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ } بدل من " يوم الفصل " ، أو عطف بيان، { فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً } زمراً زمراً للحساب. { وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ } وقرأ أهل الكوفة: " وفُتِحَتِ " بالتخفيف، { فَكَانَتْ أَبْوَاباً } ذوات أبواب لنزول الملائكة. { وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ } عن أماكنها { فَكَانَتْ } بعد اشتدادها وتصلب أجزائها { سَرَاباً } هباءً مُنبثاً، أي: تصير شيئاً كلا شيء؛ لتفرّق أجزائها. قوله تعالى: { إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ } وقرأ ابن يعمر: " أَنَّ جهنم " بفتح الهمزة؛ على تعليل قيام الساعة بأن جهنم كانت { مِرْصَاداً * لِّلطَّاغِينَ }. قال الأزهري: المِرْصَاد: هو المكان الذي يَرْصُدُ فيه الراصد العدوّ. ثم بيّن لمن هي مرصاد فقال: { لِّلطَّاغِينَ }. قال ابن عباس: للمشركين. { مَآباً } مرجعاً يرجعون إليه. قوله تعالى: { لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً } قرأ حمزة: " لَبِثينَ " بغير ألف. قال أبو علي: من قرأ: " لابثين " جاء باسم الفاعل من لبث على فاعل، نحو: شَرِبَ فهو شارب، ومن قرأ بغير ألف جاء به على فَعِلَ، نحو: حَذِرَ فهو حَذِرٌ. وقد جاء غير حرف من هذا النحو على فَاعِل وفَعِل. وقال الزمخشري: اللبث أقوى؛ لأن اللابث مَنْ وُجِدَ منه اللبث، ولا يقال " لبث " إلا لمن شأنه اللبث، كالذي يجثِم بالمكان لا يكاد ينفك عنه. { فِيهَآ أَحْقَاباً } قال الحسن: لم يجعل الله لأهل النار مدةً، بل قال: أحقاباً، فوالله ما هو إلا أنه إذا مضى [حُقْبٌ] دخل آخر ثم آخر ثم آخر كذلك إلى الأبد. قال ابن قتيبة: هذا لا يدل على غاية؛ لأنه كلما مضى حُقْبٌ تبعه حُقْبٌ. ولو أنه قال: لابثين فيها عشرة أحقاب أو خمسة دل على غاية. وقال الزجاج: والأحقاب واحدها: حُقْب، والحقب: ثمانون سنة، كل سنة اثنا عشر شهراً، كل شهر ثلاثون يوماً، كل يوم منها مقدار ألف سنة من سنيّ الدنيا. قال: والمعنى: أنهم يلبثون أحقاباً، لا يذوقون في الأحقاب برداً ولا شراباً، وهم خالدون في النار أبداً، كما قال الله عز وجل: [{ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } ] [الجن: 23]. قال صاحب الكشاف: يجوز أن يراد: لابثين فيها أحقاباً غير ذائقين برداً ولا شراباً، إلا حميماً وغساقاً، ثم يبدلون بعد الأحقاب غير الحميم والغَسَّاق من جنس آخر من العذاب. قوله تعالى: { لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً } قال ابن عباس: لا يذوقون فيها برد الشراب ولا الشراب. وقال الحسن وعطاء: لا يذوقون فيها برداً، [أي]: روحاً وراحة. وقال مقاتل: لا يذوقون فيها برداً ينفعهم من حرها، ولا شراباً ينفعهم من عطش. وقال مجاهد والسدي والكسائي والفراء وأبو عبيدة وابن قتيبة: البَرْدُ: النوم.