الرئيسية - التفاسير


* تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً }

قيل إن سبعين رجلاً من أهل مكة هبطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من جبل التنعيم متسلحين يريدون قتله (فأخذناهم سِلْماً فاستحييناهم) فأنزل اللَّهُ هذه الآيةَ في شآنهم.

وقيل أخذ اثني عشر رجلاً من المشركين - بلا عَهْدٍ - فَمنَّ عليهم الرسولُ صلى الله عليه وسلم وقيل: هم أهلُ الحديبية كانوا قد خرجوا لمنع المسلمين، وحصل ترامي الأحجار بينهم؛ فاضطرهم المسلمون إلى بيوتهم، فأنزل اللَّهُ هذه الآية يمن عليهم حيث كف أيدي بعضهم عن بعض عن قدرة من المسلمين، لا من عجزٍ؛ فأما الكفار فكفُّوا أيديهم رُعْباً وخوفاً؛ وأمَّا المسلمون فَنَهياً مِنْ قِبَلِ الله، لما في أصلابهم من المؤمنين - أراد اللهُ أن يخرجوا، أو لِمَا عَلِمَ أن قوماً منهم يؤمنون.

والإشارة فيه: أن من الغنيمة الباردة والنعم السنية أن يَسْلَم الناسُ منك، وتسلم منهم. وإن الله يفعل بأولياءه ذلك، فلا من أَحد عليهم حَيف، ولا منهم على أحد حيفٌ ولا حسابٌ ولا مطالبة ولا صلحٌ ولا معاتبة، ولا صداقة ولا عداوة. وكذا من كان بالحق - وأنشدوا:
فلـم لي يبْـقَ وقـتٌ لِذكـرِ مُخَالِـفٍ   ولم يبـق لـي قلـبٌ لذكـر مـوافـق