الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا مَثَلُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلأَمْسِ كَذٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }

{ إنمَّا مَثلُ } صفة { الحياةِ الدُّنيا } أو حالها العجيبة فى سرعة الذهاب بعد إقبالها، والاغترار بها التى هى كالمثل المضروب { كماءٍ أنْزلناهُ منَ السَّماءِ } ليس المشبه به مجرد الماء، بل هو وما بعده إلى { حصيد } أو بالأمس، فذلك تشبيه تمثيلى، ويقال له مركب. { فاخْتلطَ بهِ } بسببه { نباتُ الأرْضِ } بعضه ببعض، بأن كثر والتفَّ وهو النبات الذى خرج به، أو مطلق النبات، بأن يزيد النبات السابق عنه نمواً، ويخرج الآخر وينمو فيتزاحم النبات، ويجوز أن تكون الباء للمصاحبة، بأن يكون المراد باختلاط النبات به اشتماله عليه بدخوله فيه بالمص من الأرض، على أن يكون النبات سابقا فى الوجود، والأصل أن يقال على هذا الوجه فاختلط بنبات الأرض، لكنه ليس من باب القلب، لأنه إذا امتزج شيئان فكل منهما مختلط بالآخر، واختار إسناد الاختلاط للنبات مبالغة فى قوة جبذ الماء، حتى كأنه يتحرك إلى الماء، هذا ما ظهر لى من الأوجه بالتأمل وعن ابن عباس اختلاط النبات به وجود أنواع النبات مختلطا بعضها ببعض بسببه، ووقف بعض القراء على اختلط، أى اختلط الماء بالأرض، فحذف بالأرض، واستأنف قوله { به نبات الأرض } على أنه خبر ومبتدأ، وعلى هذا بالهاء للاختلاط أو للماء { ممَّا يأكلُ الناسُ } كالبرق والشعير { والأنْعامُ } كسرق ذلك وورقه، والكلأ. { حتَّى إذا أخَذَتِ الأرضُ زُخْرفَها } أى أخذت زينتها من ألوان النبات، وأصناف الثمار، شبهها بعروس أخذت عطرها وثيابها، واستعملتها للزينة { وازيَّنتْ } وزنه تفعَّلت، أصله تزينت، أبدلت التاء زاياً وسكنت وأدغمت فى الزَّاى، فجئ بهمزة الوصل لوقوع الساكن أول الكلمة، وقرأ ابن مسعود، والأعمش، وأبى وتزينت على الأصل، وقرأ الحسن، وأبو العالية، والشعبى، وقتادة، ونصر بن عاصم، وعيسى وازيَّنت بإسكان الزاى وتشديد النون، كقولك اخضرَّ الزرع واحمر زيد بتشديد الراءين وقرأ أبو عثمان وازاينت بذلك الضبط وزيادة الألف قبل النون، وقرأت فرقة كذا لكن بهمز الألف المزيدة، وفرقة وازاينت بتشديد الزاى بعدها ألف وتخفيف الياء والنون، أصله تزاينت، أبدلت التاء زاياً وسكنت، وأدغمت وجئ بهمزة الوصل، وقرئ أزينت بقطع الهمزة مفتوحة بوزن أكرمت، أى أحضرت زينتها، أو صارت ذات زينة، وهو شاذ، لأن القياس أن تنقل فتحة الياء للزاى فتنقلب الفاء. { وظنَّ أهْلُها أنَّهم قادِرُون عَليها } أى على ثمارها، أى متمكنون من حصدها ورفعها والمضاف محذوف كما رأيت، وقيل الضمير عائد إلى الغلة، أو الثمار، وقيل إلى الزينة المفهومة من ازينت، وعلى القولين فلا حذف { أتاهَا أمْرُنا } أى قضاؤنا بهلاكها، بريح أو ماء أو برد أو جراد أو غير ذلك { ليْلا أو نَهاراً فجعَلْناهَا } أى جعلنا ثمارها، فحذف المضاف، ويجوز عود الضمير إلى المضاف المقدر فى قوله { عليها } وهو الثمار، وأما هاء فى أتاها ففيها الوجهان، ووجه آخر وهو عودها إلى الأرض بلا تقدير، لأن إتيانها إتيان لما فيها، وإنما حسن أن يقدر فجعلنا ثمارها بعد تقدير أنهم قادرون على ثمارها، لأن المضاف لم يذكر أولا، فكان يقدر ظاهر، أو لا يمكن أن يقدر ضمير لأن الضمير لا يضاف.

السابقالتالي
2