الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَالِقُ ٱلْبَارِىءُ ٱلْمُصَوِّرُ لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

{ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَـٰلِقُ } المقدر للأشياء على مقتضى الحكمة، أو مبدع الأشياء من غير أصل ولا احتذاء، ويفسر الخلق بإيجاد الشيء من الشيء { ٱلْبَارِىءُ } الموجد لها بريئة من تفاوت ما تقتضيه بحسب الحكمة والجبلة، وقيل: المميز بعضها عن بعض بالأشكال المختلفة { ٱلْمُصَوّرُ } الموجد لصورها وكيفياتها كما أراد. وقال الراغب: الصورة ما تنتقش بها الأعيان وتتميز بها عن غيرها، وهي ضربان: محسوسة تدركها العامة والخاصة بل الإنسان وكثير من الحيوانات كصورة الفرس المشاهدة، ومعقولة تدركها الخاصة دون العامة كالصورة التي اختص الإنسان بها من العقل والروية والمعاني التي خص بها شيء بشيء، وإلى الصورتين أشار بقوله سبحانه:خَلَقْنَـٰكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَـٰكُمْ } [الأعراف: 11] إلى آيات أخر انتهى فلا تغفل.

وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه وحاطب بن أبـي بلتعة والحسن وابن السميقع { ٱلْمُصَوّرُ } بفتح الواو والنصب على أنه مفعول للبارىء، وأريد به جنس المصور، وعن علي كرم الله تعالى وجهه فتح الواو وكسر الراء على إضافة اسم الفاعل إلى المفعول نحو الضارب الغلام. وفي «الخانية» إن قراءة { ٱلْمُصَوّرُ } بفتح الواو هنا تفسد الصلاة؛ ولعله أراد إذا أجراه حينئذٍ على الله سبحانه، وإلا ففي دعوى الفساد بعد ما سمعت نظر.

{ لَهُ ٱلأَسْمَاء ٱلْحُسْنَىٰ } الدالة على محاسن المعاني { يُسَبّحُ لَهُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ } من الموجودات بلسان الحال لما تضمنته من الحكم والمصالح التي يضيق عن حصرها نطاق البيان، أو بلسان المقال الذي أوتيه كل منها حسبما يليق به على ما قاله كثير من العارفين، وقد تقدم الكلام فيه.

{ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } الجامع للكمالات كافة فإنها مع تكثرها وتشعبها راجعة إلى كمال القدرة المؤذن به { ٱلْعَزِيزُ } بناءاً على تفسيره بالغالب وإلى كمال العلم المؤذن به { ٱلْحَكِيمُ } بناءاً على تفسيره بالفاعل بمقتضى الحكمة، وفي ذلك إشارة إلى التحلية بعد التخلية كما في قوله تعالى:لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْء وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } [الشورى: 11] فتأمل ولا تغفل.

ولهذه الآيات فضل عظيم كما دلت عليه عدة روايات، وأخرج الإمام أحمد والدارمي والترمذي وحسنه والطبراني وابن الضريس والبيهقي في «الشعب» عن معقل بن يسار عن النبـي صلى الله عليه وسلم قال: " من قال: حين يصبح ثلاث مرات أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ثم قرأ الثلاث آيات من آخر سورة الحشر وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي وإن مات ذلك اليوم مات شهيداً، ومن قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة "

وأخرج الديلمي عن ابن عباس مرفوعاً " اسم الله الأعظم في ست آيات من آخر سورة الحشر "

السابقالتالي
2