الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا هُوَ عَلَى ٱلْغَيْبِ بِضَنِينٍ }

الضمير عائد إلىصاحبكم } التكوير 22 كما يقتضيه السياق فإن المشركين لم يدّعوا أن جبريل ضنين على الغيب، وإنما ادعوا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ظلماً وزوراً، ولقرب المعاد. و { الغيب } ما غاب عن عِيان الناس، أو عن علمهم وهو تسمية بالمصدر. والمراد ما استأثر الله بعلمه إلا أن يُطلع عليه بعض أنبيائه، ومنه وحي الشرائع، والعلم بصفات الله تعالى وشؤونه، ومشاهدة مَلك الوحي، وتقدم في قوله تعالىالذين يؤمنون بالغيب } في سورة البقرة 3. وكتبت كلمة { بضنين } في مصاحف الأمصار بضاد ساقطة كما اتفق عليه القراء. وحكي عن أبي عبيدٍ، قال الطبري هو ما عليه مصاحف المسلمين متفقة وإن اختلفت قراءتهم به. وفي «الكشاف» «هو في مصحف أُبي بالضاد وفي مصحف ابن مسعود بالظاء» وقد اقتصر الشاطبي في منظومته في الرسم على رسمه بالضاد إذ قال
والضَادُ في { بضنين } تَجمع البشرا   
وقد اختلف القراء في قراءته فقرأه نافع وابن عامر وعاصم وحمزة وأبو جعفر وخلف وروَح عن يعقوب بالضاد الساقطة التي تخرج من حافة اللسان مما يلي الأضراس وهي القراءة الموافقة لرسم المصحف الإمام. وقرأه الباقون بالظاء المشالة التي تخرج من طرف اللسان وأصول الثنايا العُليا، وذكر في «الكشاف» أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بهما، وذلك مما لا يحتاج إلى التنبيه، لأن القراءتين مَا كانتا متواترتين إلا وقد رُويتا عن النبي صلى الله عليه وسلم والضاد والظاء حرفان مختلفان والكلمات المؤلفة من أحدهما مختلفة المعاني غالباً إلا نحو حُضَـضِ بضادين ساقطتين وحُظـظ بظاءين مشالين وحُضـظ بضاد ساقطة بعدها ظاء مشالة وثلاثتها بضم الحاء وفتح ما بعد الحاء. فقد قالوا إنها لغات في كلمة ذات معنى واحد وهو اسم صَمَغ يقال له خولان. ولا شك أن الذين قرأوه بالظاء المشالة من أهل القراءات المتواترة وهم ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ورويس عن يعقوب قد رووه متواتراً عن النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك فلا يقدح في قراءتهم كونُها مخالفة لجميع نسخ مصاحف الأمصار لأن تواتر القراءة أقوى من تواتر الخط إن اعتبر للخط تواتر. وما ذُكر من شرط موافقة القراءة لما في مصحف عثمان لتكون قراءة صحيحة تجوز القراءة بها، إنما هو بالنسبة للقراءات التي لم تُرْو متواترة كما بيناه في المقدمة السادسة من مقدمات هذا التفسير. وقد اعتذر أبو عبيدة عن اتفاق مصاحف الإمام على كتابتها بالضاد مع وجود الاختلاف فيها بين الضاد والظاء في القراءات المتواترة، بأن قال «ليس هذا بخلاف الكتَّاب لأن الضاد والظاء لا يختلف خطهما في المصاحف إلا بزيادة رأس إحداهما على رأس الأخرى فهذا قد يتشابه ويتدانَى» اهــــ.

السابقالتالي
2