الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَّتَاعاً إِلَى ٱلْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ } * { كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

هذه الآيات تتمّة ما في السورة من أحكام الأزواج، وقد جاء الأمر بالمحافظة على الصلوات في أثناء هذه الأحكام - والصلاة عماد الدين - للعناية بها فمن حافظ على الصلوات كان جديراً بالوقوف عند حدود الله تعالى والعمل بشريعته ولذلك قال:وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَٰوةِ } [البقرة: 45] وقد بيّنا وجه ذلك، وقد خطر لي وجه آخر هو الذي يطرد في أسلوب القرآن الخاص، في مزج مقاصد القرآن بعضها ببعض من عقائد وحكم ومواعظ وأحكام تعبّدية ومدنية وغيرها، وهو نفي السآمة عن القارئ والسامع من طول النوع الواحد منها، وتجديد نشاطهما وفهمهما واعتبارهما في الصلاة وغيرها.

قوله: { وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً } إلخ فيه قولان: أحدهما: إنّ عدّة الوفاة كانت في أوّل الإسلام سنة كاملة مجاراة لعادات العرب، ولكن مع تخيير المرأة في الإعتداد في بيت الميت، فإن اعتدّت فيه وجبت نفقتها من تركته، وحرّم على الورثة إخراجها، وإن خرجت هي سقط حقّها في النفقة، وقالوا إنّه لم يكن للمرأة من ميراث زوجها إلاّ هذا المتاع والنفقة، فقوله تعالى: { وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ } معناه فليوصوا وصيّة لأزواجهم، أو فعليهم وصيّة لأزواجهم إذ قرأ أبو عمرو وابن عامر وحمزة وحفص عن عاصم (وصيّة) بالنصب، وقرأها ابن كثير ونافع والكسائي وأبو بكر عن عاصم بالرفع وقوله: { مَّتَاعاً إِلَى ٱلْحَوْلِ } معناه أن يمتّعوا متاعاً أو متّعوهنّ متاعاً، كأنّه قال: فليوصوا لهنّ وصيّة وليمتّعوهنّ متاعاً إلى آخر الحول، وقيل إنّ التقدير جعل الله ذلك لهنّ متاعاً. وقوله: { غَيْرَ إِخْرَاجٍ } معناه غير مخرجات أي يجب ذلك لهن مقيمات في دار الميّت غير مخرجات، فلا يمنعن السكنى. قال الأستاذ الإمام: الأحسن ما قاله بعضهم من إنّ متاعاً مصدر بمعنى تمتيعاً، أو معمول للمصدر الذي هو وصيّة، ومعنى { غَيْرَ إِخْرَاجٍ } غير مخرجات، وهو حال من الأزواج، والنكتة في العدول عنه، هي أنّ المراد أن يوصي الرجل بعدم إخراج زوجه، وأن ينفّذ أولياؤه وصيّته فلا يخرجونهنّ من بيوتهنّ، ولو قال " غير مخرجات " لكان تحتيماً عليهنّ بالبقاء في البيوت، ولأفاد عدم جواز إخراجهنّ لأحد، ولو كان وليّاً كأبيها، وليس هذا بمراد، فعبارة الآية تفيد المعنى المراد ولا توهّم سواه. هذا ما ذهب إليه الجمهور في معنى الآية، فهي عندهم توجب أن تكون عدّة الوفاة سنة كاملة، وأن ينفق على المعتدة من تركة زوجها مقيمة في داره لا يجوز إخراجها منه، إلاّ أن تخرج باختيارها فتسقط نفقتها. قالوا: ثمّ نسخت بجعل العدّة أربعة أشهر وعشراً كما في تلك الآية التي تقدّمت عليها في الذكر، وهي متأخّرة عنها في النزول، وبجعلها وارثة للزوج بنصّ القرآن مع تحريم الوصيّة للوارث في الحديث.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7