الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ }

عطف على جملةوالذين يتوفون منكم } البقرة 240 جُعل استيفاء لأحكام المتعة للمطلقات، بعد أن تقدم حكم متعة المطلقات قبل المسيس وقبل الفرض، فعمم بهذه الآية طلب المتعة للمطلقات كلهن، فاللام في قوله { وللمطلقات متاع } لام الاستحقاق. والتعريف في المطلقات يفيد الاستغراق، فكانت هذه الآية قد زادت أحكاماً على الآية التي سبقتها. وعن جابر بن زيد قال لما نزل قوله تعالىومتعوهن على الموسع قدره } إلى قولهحقا على المحسنين } البقرة 236 قال رجل إن أحسنت فعلت وإن لم أرد ذلك لم أفعل، فنزل قوله تعالى { وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين } فجعلها بيانا للآية السابقة، إذ عوض وصف المحسنين بوصف المتقين. والوجه أن اختلاف الوصفين في الآيتين لا يقتضي اختلاف جنس الحكم باختلاف أحوال المطلقات، وأن جميع المتعة من شأن المحسنين والمتقين، وأن دلالة صيغة الطلب في الآيتين سواء إن كان استحباباً أو كان إيجاباً. فالذين حملوا الطلب في الآية السابقة على الاستحباب، حملوه في هذه الآية على الاستحباب بالأولى، ومعولهم في محمل الطلب في كلتا الآيتين ليس إلا على استنباط علة مشروعية المتعة وهي جبر خاطر المطلقة استبقاء للمودة، ولذلك لم يستثن مالك من مشمولات هذه الآية إلا المختلعة لأنها هي التي دعت إلى الفرقة دون المطلق. والذين حملوا الطلب في الآية المتقدمة على الوجوب، اختلفوا في محمل الطلب في هذه الآية فمنهم من طرد قوله بوجوب المتعة لجميع المطلقات، ومن هؤلاء عطاء وجابر بن زيد وسعيد ابن جبير وابن شهاب والقاسم بن محمد وأبو ثور، ومنهم من حمل الطلب في هذه الآية على الاستحباب وهو قول الشافعي، ومرجعه إلى تأويل ظاهر قوله { وللمطلقات } بما دل عليه مفهوم قوله في الآية الأخرىما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة } البقرة 236.