الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلْجُنُودِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّيۤ إِلاَّ مَنِ ٱغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُواْ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ }

{ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلْجُنُودِ } قيل هنا جمل محذوفة أي فجاءهم التابوت وأقروا له بالملك وتأهبوا للخروج. والباء في بالجنود للحال أي ملتبساً بالجنود. قال ابن عباس: كانوا سبعين ألفاً، ولما خرجوا معه شكوا قلة الماء وخوف العطش وكان الوقت قيظاً وسلكوا مفازة فسألوا الله أن يجري لهم نهراً.

{ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ } قال ابن عباس: هو نهر بين الأردن وفلسطين، وقرىء بنهر بفتح الهاء وسكونها. والابتلاء الاختبار، واخبار طالوت بهذا الابتلاء وما يترتب عليه لا يكون من قبله بل بوحي من الله أما إليه إن كان نبياً كما قيل أو للبني الذي أخبر عن الله بتمليكه.

{ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي } أي من أتباعي وأشياعي في هذه الحرب.

{ وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّيۤ } أي من لم يذقه وطعم كل شيء ذوقه وتقول العرب أطعمتك الماء أي أذقتكه. وطعمت الماء: ذقته.

{ إِلاَّ مَنِ ٱغْتَرَفَ } استثناء من الجملة الأولى وهي فمن شرب منه فليس مني.

{ غُرْفَةً } قرىء بفتح الغين وضمها، والمعنى: يشربها أو للشرب، والظاهر أنها غرفة الكف أبيح لهم ذلك لا الكروع والتملي من الماء.

{ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ } أي يشرب الأكثر ولم يشرب القليل. وقرىء إلا قليلاً بالنصب على الاستثناء وبالرفع على أنه تابع للمرفوع قبله لأن الكلام إذا كان موجباً جاز فيما بعد إلا حكمه النصب وهو الأفصح والاتباع لما قبله ان رفعاً فرفع أو نصباً فنصب أو جراً فجر وهي مسألة بيّنا وجه الإِعراب فيها في كتب النحو. قال الزمخشري: وهذا من ميلهم مع المعنى والاعراض عن اللفظ جانباً وهو باب جليل من علم العربية فلما كان معنى فشربوا منه في معنى: فلم يطيعوه، حمل عليه كأنه قيل فلم يطيعوه إلا قليل منهم. ونحوه قول الفرزدق:
لم يدع من المال إلا مسحتا أو محلف   
كأنه قال: لم يبق من المال إلا مسحت أو مخلف " انتهى ".

ويعني أن هذا الموجب الذي هو فشربوا منه هو في معنى المنفي، كأنه قيل: فلم يطيعوه فارتفع قليل على هذا المعنى ولو لم يلحظ فيه معنى النفي لم يكن ليرتفع ما بعد إلا فيظهر أن ارتفاعه على أنه بدل من جهة المعنى فالموجب فيه كالمنفى. وما ذهب إليه الزمخشري من أنه ارتفع ما بعد إلا على التأويل، هنا دليل على أنه لم يحفظ الاتباع بعد الموجب فلذلك تأوله. ونقول: إذا تقدم موجب جاز في الذي بعد إلاَّ وجهان أحدهما: النصب على الاستثناء وهو الأفصح، والثاني: أن يكون ما بعد إلا تابعاً لإِعراب المستثنى منه أن رفعاً فرِفع أو نصباً فنصب أو جراً فجر فتقول: قام القوم إلا زيد، ورأيت القوم إلا زيدا، ومررت بالقوم إلا زيد، سواء أكان ما قيل إلا مظهراً أو مضمراً، واختلفوا في إعرابه فقيل: هو تابع على أنه نعت لما قبله فمنهم من حمل هذا على ظاهر العبارة.

السابقالتالي
2