الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ٱلَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ }

يقول تعالى منكراً على الكفار في صدهم المؤمنين عن إتيان المسجد الحرام، وقضاء مناسكهم فيه، ودعواهم أنهم أولياؤه،وَمَا كَانُوۤاْ أَوْلِيَآءَهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ ٱلْمُتَّقُونَ } الأنفال 34 الآية، وفي هذه الآية دليل على أنها مدنية كما قال في سورة البقرةيَسْـأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ } البقرة 217 وقال ههنا { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } أي ومن صفتهم أنهم مع كفرهم يصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام، أي ويصدون عن المسجد الحرام من أراده من المؤمنين الذين هم أحق الناس به في نفس الأمر، وهذا التركيب في هذه الآية كقوله تعالىٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ } الرعد 28 أي ومن صفتهم أنهم تطمئن قلوبهم بذكر الله. وقوله { ٱلَّذِى جَعَلْنَـٰهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلْعَـٰكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ } أي يمنعون الناس عن الوصول إلى المسجد الحرام، وقد جعله الله شرعاً سواء، لا فرق فيه بين المقيم فيه والنائي عنه البعيد الدار منه { سَوَآءً ٱلْعَـٰكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ } ومن ذلك استواء الناس في رباع مكة وسكناها، كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله { سَوَآءً ٱلْعَـٰكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ } قال ينزل أهل مكة وغيرهم في المسجد الحرام. وقال مجاهد في قله { سَوَآءً ٱلْعَـٰكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ } أهل مكة وغيرهم فيه سواء في المنازل، وكذا قال أبو صالح وعبد الرحمن بن سابط وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم. وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة سواء فيه أهله وغير أهله، وهذه المسألة هي التي اختلف فيها الشافعي وإسحاق بن راهويه بمسجد الخيف، وأحمد بن حنبل حاضر أيضاً، فذهب الشافعي رحمه الله إلى أن رباع مكة تملك وتورث وتؤجر، واحتج بحديث الزهري عن علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد قال قلت يا رسول الله أتنزل غداً في دارك بمكة؟ فقال " وهل ترك لنا عقيل من رباع؟ " ثم قال " لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر " وهذا الحديث مخرج في " الصحيحين " ، وبما ثبت أن عمر بن الخطاب اشترى من صفوان بن أمية داراً بمكة، فجعلها سجناً، بأربعة آلاف درهم، وبه قال طاوس وعمرو بن دينار، وذهب إسحاق بن راهويه إلى أنها لا تورث، ولا تؤجر، وهو مذهب طائفة من السلف، ونص عليه مجاهد وعطاء، واحتج إسحاق بن راهويه بما رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عيسى بن يونس عن عمر بن سعيد بن أبي حسين، عن عثمان بن أبي سليمان عن علقمة بن نضلة قال توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر، وما تدعي رباع مكة إلا السوائب، من احتاج سكن، ومن استغنى أسكن.

السابقالتالي
2 3 4