الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً }

قوله: { إِلاَّ حَمِيماً }: يجوزُ أَنْ يكونَ استثناءً متصلاً من قولِه " شَراباً " وهذا واضِحٌ. والثاني: أنَّه منقطعٌ. قال الزمخشري: " يعني لا يذُوقون فيها بَرْداً ولا رَوْحاً يُنَفِس عنهم حَرَّ النارِ، ولا شَراباً يُسَكِّن مِنْ عَطَشِهم، ولكنْ يَذُوقون فيها حميماً وغَسَّاقاً ".

قلت: ومكيٌّ لَمَّا جَعَله منقطعاً جعل البَرْدَ عبارةً عن النومِ، قال: " فإن جَعَلْتَه النومَ كان " حميماً " استثاءً ليس من الأول ". وإنما الذي حَمَلَ الزمخشريُّ على الانقطاع مع صِدْقِ اسم الشرابِ على الحميمِ والغَسَّاقِ وَصْفُه له بقولِه " ولا شَراباً يُسَكِّنُ مِنْ عَطَشِهم " فبهذا القَيْدِ صار الحميمُ ليس من جنسِ هذا الشراب. وإطلاقُ البَرْدِ على النوم لغةُ هُذَيْلٍ. وأنشد:
4470ـ فإن شِئْتِ حَرَّمْتُ النِّساءَ سواكمُ   وإنْ شِئْتِ لم أَطْعَمْ نُقاخاً ولا بَرْداً
وفي كلامِ بعضِ الأعراب " مَنَعَ البَرْدُ البَرْدَ " قيل: وسُمِّي بذلك لأنه يقطعُ سَوْرةَ العطشِ. والذَّوْقُ على هذين القولين ـ أعني كونَه رَوْحاً يُنَفِّسُ عنهم الحَرَّ، وكونَه النومَ ـ مجازٌ. وأمَّا على قولِ مَنْ جعله اسماً للشرابِ الباردِ المُسْتَلَذُّ، ويُعْزَى لابنِ عباس، وأنشد قولَ حَسَّانَ رضي الله عنه:
4471ـ يَسْقُونَ مْن وَرَدَ البَرِيصَ عليهمُ   بَرْداً يُصَفِّقُ بالرَّحيقِ السَّلْسَلِ
وقول الآخر:
4472ـ أَمانِيُّ مِنْ سُعْدَى حِسانٌ كأنَّما   سَقَتكَ بها سُعْدى على ظَمَأ بَرْدا
فالذَّوْقُ حقيقةٌ، إلاَّ أنه يصير فيه تَكْرارٌ بقولِه بعد ذلك: " ولا شراباً ".

الثالث: أنه بدلٌ مِنْ قولِه " ولا شراباً " ، وهو الأحسنُ لأنَّ الكلامَ غيرُ موجَبٍ. وتقدَّم خلافُ القُراء في { وَغَسَّاقاً } تخفيفاً وتثقيلاً، والكلامُ عليه وعلى حميم.