الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِيۤ ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ ءَايَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوكَ يُجَٰدِلُونَكَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ }

قال مجاهد قوله { ومنهم من يستمع إليك } يعني قريشا. وقال البلخي: أي من أهل الكتاب والمشركين من يجالسك ويريد الاستماع منك والاصغاء اليك { وجعلنا على قلوبهم أكنة } لانهم لا يفقهوه، لألفهم الكفر وشدة عداوتهم { حتى إذا جاءوك يجادلونك } أي حتى اذا صار الامر الى الجدال أظهروا الكذب وعاندوا، فقالوا { إن هذا إلا أساطير الأولين } أي ليس هذا إلا أساطير الاولين. وقال قوم: نزلت في النظر بن الحارث بن كلدة. وقال الضحاك: معنى أساطير الاولين أحاديث الاولين وكل شىء في القرآن أساطير، فهو أحاديث.

و (الاكنة) جمع كنان - بكسر الكاف - وهو كالغطاء والاغطية { وفي آذانهم وقراً } أي ثقلا، والوقر بكسر الواو الحمل، يقال وقرت الاذن لوقر قال الشاعر:
وكلام سيىء قد وقرت   أذني منه وما بي من صمم
ونخلة موقرة وموقر، ونخيل مواقير. قال يونس سألت رؤبة، فقال وقرت أذنه - بضم الواو وكسر القاف - يوقر - بفتح الياء والقاف - اذا كان فيها الوقر. وقال أبو زيد: سمعت العرب تقول: أذن موقرة - بضم الميم وفتح القاف - ومن الحمل يقال: أوقرت الدابة فهي موقرة. ومن السمع وقرت سمعه - بتشديد القاف - فهو موقر، قال الشاعر:
ولي هامة قد وقر الضرب سمعها   
واساطير واحدها أسطورة، وإِسطارة، مأخوذ من سطر الكتاب، قال الراجز:
اني وأسطار سطرن سطرا   لقائل يا نصر نصرا نصرا
وأسطار جمع سطر. ومن قال في واحده: سطر، قال في الجمع أسطر، وجمع الجمع أساطير، ومعناها الترهات البسابس يعني ليس له نظام. وقال الاخفش: أساطير جمع لا واحد له، نحو (مذاكير وأبابيل) وقال بعضهم: واحد الابابيل إِبيل - بتشديد الباء وكسر الالف -.

ومعنى قوله: { وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه } قد مضى نظائره. في قوله:وجعلنا قلوبهم قاسية } أي منعناهم الالطاف التي تبسط المؤمنين وتبعثهم على الازدياد من الطاعة، لان الله تعالى لما أزاح علتهم علله بالدعاء والبيان والانذار والترغيب والترهيب فأبوا الا كفراً وعنادا وتمردا على الله وإِعراضا عنه وعما دعاهم اليه، فمنعهم الطافه عقوبة لهم حيث علم أنهم لا ينتفعون بذلك ولا ينتهون الى الحق، وألفوا الكفر وأحبوه حتى صاروا كالصم عن الحق وصارت قلوبهم كأنها في أكنة فجاز أن يقال في اللغة جعل على قلوبهم أكنة وفي آذانهم وقرا، كما يقول القائل لغيره أفسدت سيفك اذا ترك استعماله حتى يصدي، وجعلت أظافيرك سلاحاً اذا لم يقلمها. ويقال للرجل اذا آيس من عبده أو ولده بعد الاجتهاد في تأديبه فخلاه واقصاه قد جعلته بحيث لا يفلح أبدا وتركته أعمى أصما، وجعلته ثوراً وحماراً، وان كان لم يفعل به شيئاً من ذلك ولم يرده بل هو مهموم به محب لخلافه، ولا يجوز أن يكون المراد بذلك أنه كلفهم ما لا يطيقونه، وذلك لا يليق بحكمته تعالى، ولكانوا غير ملومين في ترك الايمان حيث لم يمكنوا منه، وكانوا ممنوعين منه، وكانت الحجة لهم على الله تعالى دون أن تكون الحجة له، وذلك باطل، بل لله الحجة البالغة.

السابقالتالي
2 3