الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَآءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ ٱلْقَصَصَ قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ }

{ فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا } قيل هي الكبرى منهما وقيل الصغرى وكانتا على ما في بعض الروايات توأمتين ولدت إحداهما قبل الأخرى بنصف نهار. وقرأ ابن محيصن { حداهما } بحذف الهمزة تخفيفاً على غير قياس مثل ويْلُمِّهِ في ويل أمه { تَمْشِى } حال من فاعل { جاءت } وقوله تعالى: { عَلَى ٱسْتِحْيَاء } متعلق بمحذوف هو حال من ضمير { تمشي } أي جاءته ماشية كائنة على استحياء فمعناه أنه كانت على استحياء حالتي المشي والمجيء معاً لا عند المجيء فقط، وتنكير (استحياء) للتفخيم، ومن هنا قيل: جاءت متخفرة أي شديدة الحياء. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبـي حاتم من طريق عبد الله ابن أبـي الهذيل عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قال جاءت مستترة بكم درعها على وجهها وأخرجه ابن المنذر عن [ابن] أبـي الهذيل موقوفاً عليه وفي رفعه إلى عمر رواية أخرى صححها الحاكم بلفظ واضعة ثوبها على وجهها.

{ قَالَتْ } استئناف مبني على سؤال نشأ من حكاية مجيئها إياه عليه السلام كأنه قيل: فماذا قالت له عليه السلام؟ / فقيل قالت: { إِنَّ أَبِى يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا } أي جزاء سقيك على أن (ما) مصدرية ولا يجوز أن تكون موصولة لأن ما يستحق عليه الأجر فعله لا ما سقاه إذ هو الماء المباح وأسندت الدعوة إلى أبيها وعللتها بالجزاء لئلا يوهم كلامها ريبة. وفيه من الدلالة على كمال العقل والحياء والعفة ما لا يخفى. روي أنه عليه السلام أجابها فقام معها فقال لها امشي خلفي وانعتي لي الطريق فإني أكره أن تصيب الريح ثيابك فتصف لي جسدك ففعلت. وفي رواية أنه قال لها كوني ورائي فإني رجل لا أنظر إلى أدبار النساء ودليني على الطريق يميناً أو يساراً، وروي عن ابن عباس وقتادة وابن زيد وغيرهم أنها مشت أولاً أمامه فألزقت الريح ثوبها بجسدها فوصفته فقال لها: امشي خلفي وانعتي لي الطريق ففعلت حتى أتيا دار شعيب عليه السلام.

{ فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ ٱلْقَصَصَ } أي ما جرى عليه من الخبر المقصوص، فإنه مصدر سمي به المفعول كالعلل { قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ } يريد فرعون وقومه، وقال ذلك لما أنه لا سلطان لفرعون بأرضه. ويحتمل أنه قاله عن إلهام أو نحوه، واختلف في الداعي له عليه السلام إلى الإجابة فقيل الذي يلوح من ظاهر النظم الكريم أن موسى عليه السلام إنما أجاب المستدعية من غير تلعثم ليتبرك برؤية الشيخ ويستظهر برأيه لا طمعاً بما صرحت به من الأجر، ألا ترى إلى ما أخرج ابن عساكر عن أبـي حازم قال: لما دخل موسى على شعيب عليهما السلام إذا هو بالعشاء فقال له شعيب: كل.

السابقالتالي
2